يومٌ حزين عاشته فلسطين بالأمس، على وقع نبأ استشهاد عميد الأسرى في سجون الاحتلال القائد الكبير أسطورة السجون والزنازين الأسير البطل ناصر أبو حميد، الذي استشهد في سجون الاحتلال الصهيوني من جراء سياسة التعذيب، وممارسة الإهمال الطبي بحقه وبحق جميع أسرانا البواسل في سجون الاحتلال وزنازينه وأقبيته.
إن هذا المحتل الظالم الذي يواصل القتل المتعمد بحق أكثر من 6 آلاف أسير في السجون الإسرائيلية، وربما في حين هذا المقال أبدؤه بالترحم على الشهيد البطل أبو حميد، وأتقدم إلى فلسطين وشعبها العظيم بنعي هذا الأسير البطل، وأعان الله خنساء فلسطين والدة الشهيد أم ناصر التي تحدَّت وصبرت، وصمدت في وجه المحتلين، وهي أم الشهداء: عبد المنعم وناصر، وأم الأسرى: نصر وشريف ( 4 مؤبدات)، ومحمد مؤبدين وإسلام مؤبد؛ لقد كانت أمنيتها الوحيدة أن ترى الشهيد ناصر قبل أن يموت في سجون الاحتلال الصهيوني، وكانت دومًا تناشد وتطالب العالم والمؤسسات الدولية أن يسمحوا لها برؤية ولدها الشهيد ناصر.
وفي هذا المقال أقتبس بعضًا من كلمات خنساء فلسطين، والدة الشهداء والأسرى أم ناصر إذ قالت: "الاحتلال لم يستطع النيل من ناصر بمحاولات الاغتيال المتعددة، واستغل اعتقاله لينال منه، ولكن هيهات هيهات، ناصر معنوياته عالية وسينتصر على المرض، وإذا أراد الله له الشهادة، أتمنى أن يستشهد في فلسطين في الأرض التي ناضل من أجلها، وأن أكون إلى جواره، لا أريد أن يستشهد ابني بين أيديهم، أو أن يضعوه في ثلاجة الموتى".
لقد كان الأمس يومًا فلسطينيًا حزينًا وهي تودع الأسير البطل ناصر أبو حميد، وقد ودع الشهيد أبو حميد فلسطين وشعبها العظيم بكلماته الأخيرة التي رسمت الدرب والطريق نحو مواصلة الجهاد ومقاومة الاحتلال حتى تحرير أرضنا من دنس المحتلين، وقال في كلماته الأخيرة: "أنا ذاهب إلى نهاية الطريق، ولكني مطمئن وواثق بأنني أولاً فلسطيني وأنا أفتخر، تاركًا خلفي شعبًا عظيمًا لن ينسى قضيتي وقضية الأسرى، وأنحني إجلالًا وإكبارًا لجميع أبناء شعبنا الفلسطيني الصابر، وتعجز الكلمات عن وصف هذا المشهد، وأنا مش زعلان من نهاية الطريق، لأنه في نهاية الطريق أنا بودع شعب بطل عظيم، حتى ألتحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم رفاق دربي وأنا سعيد بلقائهم".
إن أقلامنا ترتجف أمام هذه الكلمات الشامخات، وأمام صمود وبسالة أبطال السجون وأسرى الحرية، وهم يسطرون أسمى معالم الصبر والصمود والفداء، ويواجهون أقسى أساليب التعذيب والإجرام في سجون الاحتلال الصهيوني.
وما إن أعلن خبر استشهاد الأسير البطل ناصر أبو حميد، عجز قلمي ولساني وتجمدت أفكاري عن الكتابة والوصف، وماذا أكتب عن الأسرى؟ وماذا أكتب عن الأسير ناصر؟ وكيف أنعاه وهو الحر الطليق ونحن الأسرى؟ وما الكلمات والحروف التي تفي حقه؟ وهو الذي تعرض للقتل العمد، والتعذيب الشديد أمام مسمع ومرأى العالم وأمام جلسات الأمم المتحدة التي تنادي بالحقوق والديمقراطية (الزائفة).
لقد واجه الأسير الشهيد ناصر أبو حميد ظروفًا صحية قاسية من جراء الإصابات التي تعرض لها برصاص الاحتلال الصهيوني، حتى ثبتت منتصف عام 2021 إصابته بسرطان في الرئة، إذ أهملته سلطات السجون عمدًا، ولم تقدم العلاج اللازم له، ولم تسمح لأهله والأطباء بزيارته، أو الاطلاع على حالته، وواصل الأسير أبو حميد صموده على الرغم من مرضه الشديد في مواجهته القتل البطيء إلى أن أعلن استشهاده صباح أمس، وتعرض إلى أطول ملاحقة ومطاردة من قبل الاحتلال عام 2002م، إذ هدمت سلطات الاحتلال منزل عائلة أبو حميد (5) مرات، في حين قضى في سجون الاحتلال أكثر من (30) سنة، وتعرض لحكم عسكري قاسٍ، وحكم عليه بالسجن المؤبد (7) مرات و(50) سنة.
إننا اليوم، لا تسعفنا الكلمات والعبارات في الحديث عن أسرى الحرية الذين ضحوا، وأفنوا زهرات شبابهم في سجون الاحتلال الصهيوني وزنازينه، إن كلماتنا نفِدت، وعباراتنا توقفت أمام صبرهم وصمودهم في سجون الاحتلال، ولا نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ونسأل الله الرحمة وجنات الخلد للشهيد ناصر وشهداء فلسطين الأبطال كافة، ونسأل الله الفرج القريب والعاجل لأسرانا البواسل وأسيراتنا الماجدات في سجون الاحتلال.