على الرغم من "الفضل" الذي يجب أن تشعر به دولة الاحتلال تجاه الأمم المتحدة ومؤسساتها، التي منحتها المشروعية القانونية والأممية بالقيام على أنقاض أرض فلسطين المحتلة عبر قرار التقسيم، لكنها "الآكلة الناكرة"، وهذا ديدنها في علاقاتها الخارجية، وليس أدل على ذلك من استعدائها المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم رؤساء سابقون، وهم حلفاؤها الأوثق على مستوى العالم.
آخر حملات التحريض الإسرائيلية ضد المسئولين الأمميين طالت المبعوثة إلى الأراضي الفلسطينية المحامية الإيطالية "فرانشيسكا ألبانزا"، بزعم أنها ذات تاريخ متحيز ضد الاحتلال، وهي "تهمة لا ينفيها أي عاقل، وشرف يدَّعيه كل إنسان".
قائمة الاتهامات الإسرائيلية ضد ألبانزا تبدأ ولا تنتهي، ففضلًا عن المانشيت السابق، تظهر تفاصيل عديدة، من بينها: تعاطفها مع المقاومة، ورفض مخاوف الاحتلال الأمنية، ومقارنته بالنازيين، واتهامه بارتكاب جرائم حرب، ووصفها دولة الاحتلال بأنها "مستوطنة استعمارية"، قهرت السكان الفلسطينيين الأصليين.
يقع العديد من الموظفين الأمميين تحت تأثير مجموعات الضغط الإسرائيلية، والمناصرة لها في الغرب، وصولًا إلى المنظمة الأممية ذاتها، دون أن تكترث إلى الممارسات الإسرائيلية غير القانونية التي تسبب معاناة لملايين الفلسطينيين، وتنتهك حقوق الإنسان يوميًا في أراضيهم المحتلة، وهو محور اهتمامهم كونهم موظفين أمميين في مؤسسة دولية، ما ينفي أي سبب فعلي للتشكيك في مصداقيتهم، أو سلطتهم الأخلاقية، لأنهم ملتزمون بمدونة قواعد السلوك الخاصة بمجلس حقوق الإنسان، التي تشترط على موظفيها الموضوعية، وتجنب المعايير المزدوجة، والتسييس، والتصرف بنزاهة وحيادية.
وسائل الإعلام الإسرائيلية والجهات الدبلوماسية تجري بين حين وآخر رصدًا دقيقًا، وتتبعًا مكثفًا لكل ما يصدر عن أي موظف أممي تخرج منه رائحة التعاطف مع الفلسطينيين، ومعاداة الاحتلال، عبر متابعة حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، وترجمة مقابلاتهم الصحفية، والتصيُّد لهم في كل تصريح وموقف، ولا يترددون في اعتبارها معاداة للسامية، وهي التهمة الأسرع إلى استبعاد أي منهم من موقع دولي مسؤول عن واحد من جوانب الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مع العلم أن ما يصدر عن المسؤولين الأمميين، هو ترجمة لقرارات دولية تؤكد أن دولة الاحتلال تحتل بصورة غير شرعية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي أثناء احتلالها تقوم بأعمال عدوانية، والفلسطينيون لديهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، وحقهم هذا متأصِّل في المواثيق الدولية، وأقرته جميع الشرائع والقوانين، ردًّا على ارتكاب الاحتلال جرائمه الخطيرة، بالإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية.
الاحتلال هو الاحتلال، لا يرضى من العالم بأسره أقل من التصديق على كل جرائمه ضد الفلسطينيين، وحين يشذ أحد عن هذه القاعدة، يجهز له قائمة اتهامات وشيطنة، التي يبدو أنها تصاب بانتكاسات لافتة في الآونة الأخيرة.