شهدت أرض الكتيبة في غزة زحفًا جماهيريًا ضخمًا كثيرَ العدد. الجماهير التي تدفقت كالموج الهادر المتجدد جاءت من جميع محافظات قطاع غزة، يحدوها شوق كبير للحضور وتجديد البيعة لحماس، وخيار المقاومة، وتهنئة القادة، والترحم على الشهداء. كانت الحشود كبيرة ومن جميع الأعمار، شيبًا وشبانًا، رجالًا ونساء، وأعداد كبيرة منهم تلوّح بعلم فلسطين، وبعلم حماس الأخضر، وجميعهم هتف للمسجد الأقصى، وطالب بتحرير الأسرى والمسرى.
كان الحشد الضخم هدفًا في حدِّ ذاته، ورسالة تردُّ على المُشككين في شعبية حماس وخيار المقاومة.
تحدث قادة حماس عن خيار المقاومة، وأنه الطريق المستقيم الوحيد الموصل للغاية، وبينوا لفتح والسلطة أنّ خيار التسوية عبر أوسلو فشل فشلًا ذريعًا، وأنه يجدر بهم العودة لخيار المقاومة، الذي تأسست بموجبه حركة فتح في عام١٩٦٥م، وكانت هذه رسالة الانطلاقة الثانية.
وانتقد قادة حماس الاعتقالات، التي تنفذها أجهزة السلطة لكوادر حماس في الضفة، ولستُ أدري لماذا يعتقلون المؤيدين لحماس على الهوية في الضفة، فهم يجتمعون مع حماس في الجزائر للمصالحة، ويحضر قادتهم في غزة مهرجان حماس ويجلسون في الصفوف الأولى؟
المتحدثون لم يركزوا على اعتقالات السلطة، وركزوا حديثهم على أسرى الوطن في سجون الاحتلال، وكشفوا أن تحرير الأسرى هو دين في رقاب قادة المقاومة، وأن حماس تسلك جميع الطرق لتحريرهم، وإذا فشلت مفاوضات التبادل مرة ثانية في المرحلة المقبلة، فإن حماس ستغلق هذا الملف نهائيًا، وستبحث عن البدائل، وهذه رسالة الانطلاقة الثالثة.
الحديث عن البدائل ينتهي في رأيي عند أسرى جُدد، ثم العودة لمفاوضات التبادل، وهذا يستلزم أن يكون في دولة الاحتلال قيادة قادرة على كسر قانون الكنيست الذي يعرقل التبادل، ويستلزم أيضًا أن يكون الأسرى الجدد من ذوي الأعين الزرقاء والبشرة البيضاء، في مجتمعٍ إسرائيلي يقوم على التمييز العنصري بحسب اللون والطائفة، وهذا يستلزم أيضا اختراق قانون شمشون الذي يدعو لقتل الأسير وآسريه معًا في المعارك.
إنّ قضية البدائل تبدو كأنها قضية تحدٍّ عميق، في واقع ميداني صعب، ولكن الصعب ليس مستحيلًا، ومن أراد الوصول للغاية النبيلة يمكنه أن يصل إليها بأدواتها، بعد الإيمان والتوكل على الله، وتلكم رسالة الانطلاقة الرابعة.
أما الرسالة الأخيرة، فكانت رسالة ثقة وثبات حملها الأثير لكتائب جنين، وعرين الأسود في نابلس، تقول لهم: إن الضفة مركز الصراع، وغزة تراقب وتتابع، ولن تخذل جنين ونابلس، وأن عام ٢٠٢٣م قد يشهد تحديات عظيمة واسعة النطاق، وهذا يستلزم الإعداد والثبات، والعمل بثقة الواثقين من النصر أو الشهادة.