فلسطين أون لاين

في الـ27 من ديسمبر لن تطفئ شمعتها الـ16

تقرير "لولو" و"جنى".. قطة وطفلة فرقهما قناص إسرائيلي

...
من جنازة الطفلة جنى زكارنة
جنين-غزة/ يحيى اليعقوبي:

قطعت الطفلة جنى زكارنة (15 عامًا) جلستها مع والدها، ما إن حانت الساعة العاشرة مساءً، وهو موعد تفقدها لقطتها "لولو" ووضع الطعام لها، صعدت الطفلة لسطح منزلها وأخرجت قطتها البيضاء ذات العينين الزرقاوين من الصندوق، واستعملت مصباح هاتف والدها في إضاءة عتمة الليل، ولم تدرِ أن هناك من وضع منظاره على تحركاتها.

تزامن لقاء الطفلة بالقطة مع اقتحام قوات الاحتلال لمحيط منزلها الواقع في "منطقة البيادر" أحد المداخل إلى الحي الشرقي لمدينة جنين تخلله إطلاق نار واشتباكات مع المقاومين واعتلاء قناصة الاحتلال لأسطح المنازل.

لم يلتفت والدها لتأخر نزول طفلته معتقدًا أنها ما زالت تلهو وتلعب وتداعب قطتها التي تربيها منذ سنة، حتى قدم ابنه أدهم (14 عامًا) من الخارج بعد انقطاع صوت الرصاص، وهدوء الاشتباك، يسأل عن شقيقته، فأشار والده نحو سطح المنزل.

تسمع أصوات المعزين عبر سماعة الهاتف، والد جنى يروي لصحيفة "فلسطين" بقية التفاصيل: "صعد أدهم وهو يحمل هاتفه، فأنار المكان ليجد بقع الدماء تملأ جسد شقيقته، فنزل مرعوبًا ومرتجفًا ينادي علي: "بابا.. جنى تصاوبت".

كانت بقية التفاصيل ثقيلة على صوته المثقل بوجع الفقد: "مباشرة صعدت للسطح، فوجدت رصاصتين قد اخترقتا قلبها ورصاصتين في منطقة الرأس، حاولت تحريك يديها أو استشعار نبضات قلبها، كانت مستشهدة على حين كانت القطة بجوارها تواصل المواء، اتصلت على أخي ونقلناها للمشفى".

يتحامل على صوته المتألم وهو يستحضر صورة آخر اللحظات التي جمعته بطفلته: "استيقظت منذ الصباح وقامت بترتيب البيت، ثم نزلت عند بيت عمها، وساعدتهم، قبل أن تعود للبيت وتقدم الدواء لوالدتها وتعد الغداء لنا، ثم جلست معي بالمساء وكانت سعيدة، تضحك وتلعب".

جنى طفلة في عدد سنواتِ عمرها فقط، لكن ظروف عائلتها حملتها مسؤوليات كبيرة وهي بعمر الزهور، إذ اضطرت الطفلة للانقطاع عن المدرسة العام الفائت نظرًا لصعوبة الوضع الصحي لوالدتها التي تعاني اضطرابات عصبية، وتحتاج لرعاية خاصة، مكثت بجوارها تسهر على رعايتها، ولديها شقيق وحيد يصغرها بعام، فمثلت عمودًا للبيت وأمًّا ثانية له، ومربيةً.

لا يخلو صوت والدها من نبرات حسرة على فراقها: "كانت حنونة، لا ترفض طلبًا لي، رغم حبها للتعليم اضطرت إلى الوقوف بجانب أمها المريضة وترك المدرسة، تعد الطعام، وترتب البيت".

لم يقفز الأب عن علاقة الطفلة بقطتها التي سمتها "لولو"، تقفز أمامه الصورة الأولى لقدوم القطة للبيت: "أحضرها ابني من صديقه قبل عام، وقامت جنى برعايتها حتى كبرت، كانت تنام في حضنها، ثم جلبنا صندوقًا ووضعناها فيه فوق سطح المنزل وكانت تصعد كل مساءٍ بنفس التوقيت الذي صعدت فيه لتطعمها، وفي النهار تنزلها وتلعب معها وتنام في حضنها".

لم يعلم والدها كيف قام قناصة الاحتلال بقتل ابنته، لكن تقارير التشريح الطبي أظهرت استعمال رصاصات خارقة للدروع في إصابة رأسها أطلقها قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يعيد الأذهان لحادثة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة بنفس الطريقة في مايو/ أيار الماضي، وفي نفس المدينة جنين، أضاف قناصة الاحتلال ثلاث رصاصات أخرى.

وجد عمها ماجد، حينما تفقد هاتف شقيقه الذي استعملته الطفلة، صورة لمركبة إسرائيلية مقتحمة، كانت قد أرسلتها عبر تطبيق مواقع التواصل الاجتماعي لزوجة عمها، يعلق بقهر لصحيفة "فلسطين": "قاموا بقتلها بدم بارد، كانت المسافة بينها وبين القناصة 100 متر، طفلة لا تحمل سلاحًا".

يتساءل: "ماذا سيؤثر هاتف محمول في جيب مصفح لا تؤثر فيه الرصاصات والقذائف؟"، مطالبًا بتدويل قضية "جنى" وإيصال صوتها للأمم المتحدة للوقوف عند الجريمة ومعاقبة القتلة.

كانت أحلام جنى كأي طفلة، بأن تواصل تعليمها وتتفوق، لكنها تنازلت عن حلمها لأجل أمها، كانت القطة "لولو" أنيسةً لوحدتها، ورفيقة تخفف عنها أوقات فراغها، كبرت الطفلة وسهرت على رعاية أمها المريضة منذ أربعة أعوام، كانت على وشك الاحتفال بعيد ميلادها السادس عشر في 27 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لكن هذه المرة لن تطفئ الطفلة شمعة ميلادها.