اللعب في الهامش يختلف عن اللعب في المركز، فهو وإن كان مفيدًا فقيمته أدنى من المركز، كما أن هامش الكتاب وما به من ملاحظات أدنى فائدة من متن الكتاب عادة. وتطبيقًا لهذا نضرب مثلًا مقتبسًا من السياسة القائمة في بلادنا فلسطين.
دعا محمد اشتية رئيس الحكومة في رام الله الممثلةَ الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة (فرجينيا غامبا) إلى التحقيق في جرائم الاحتلال ووضع (إسرائيل) على القائمة السوداء، أي قائمة العار كما يسميها آخرون. وقد جاء هذا الطلب بمناسبة وصول (غامبا) للأراضي الفلسطينية، وقتْل (إسرائيل) الطفلة (جنى عصام زكارنة) في جنين. والطلب نفسه جاء من حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ووزير الشؤون المدنية، الذي يلتقي المسؤولين الإسرائيليين، هذا وقد قتلت (إسرائيل) عمدًا ما يزيد على (٥٢) طفلًا منذ بداية العام.
القتْل العمد للأطفال جريمة لا تغتفر، وقتل الطفلة زكارنة جريمة جديدة تواكبت مع وصول (غامبا) إلى الأراضي الفلسطينية. وقد فسّر بعض المحللين الجريمة بأنها جريمة تحدّ واستخفاف للأمم المتحدة، وللزائرة المكلفة بالتحقيق، وأنا لا أعارض هذا التحليل، (فإسرائيل) في تحدٍّ قديم ومتجدد للأمم المتحدة وقراراتها وتوصيات مبعوثيها.
ولكن وهنا، أودّ أن أقول: هب أن المحققة (غامبا) أوصت بوضع (إسرائيل) على قائمة العار، فما جدوى هذه التوصية؟، وما العائد منها على فلسطين، وحقها في الحرية وتقرير المصير، وكم رقم هذه التوصية في قرارات المنظمة الدولية؟
قد يجيب اشتية والشيخ بأننا نناضل في كل الاتجاهات، وندافع عن حقوقنا في كل المستويات. وهذه إجابة جيدة لقضية هي جزء من قضايانا الوطنية اليومية، ولكن يمكن القول لهما: إنكم تلعبون في الهوامش، وتغفلون عن قضايا المركز، وتكتبون ملاحظات على هامش كتاب يكتب مركزه (إسرائيل). وأعني بقضايا المركز الاحتلال والاستيطان والعدوان المستمر، أليس هذا المتن الذي تكتبه (إسرائيل) يوميًّا؟
نعم، لقد أدانت المحكمة الدولية جدار الفصل العنصري، فهل انعكست الإدانة بشيء مهم ذي مغزى في أراضينا المحتلة؟ أي هل توقّف الجدار؟! الجواب لم يتوقف، وهذا لا يعني الاستهتار بقرار إدانة الجدار، ولكن يعني أنه على سلطتنا أن تعمل في المركز، وأن تتخذ إجراءات ذات مغزى لها قدرة للتأثير على السياسة العدوانية في الضفة الغربية، ومنها وقف التنسيق الأمني مع المحتل، ودعم المقاومة في جنين ونابلس والقدس. أو قل وضع برنامج جديد قادر على نقلنا من الهوامش إلى المركز. نعم حين نكون في المركز يقصفنا الطيران، ويجتاحنا جيش الاحتلال، ولكن عندها نعلم أننا أحياء، وأننا في مركز قضيتنا، وحين نبقى الهوامش تكون حياتنا الوطنية بقدر الهامش، أي بلا قيمة ذات مغزى في مفهوم التحرير وتقرير المصير، ونقف عند توصية من (غامبا).