فلسطين أون لاين

تقرير لينا الأسمر.. تتخطى ضائقة أُسرتها المالية بـ"الخبز البلدي"

...
نابلس/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

لم تتوقع لينا الأسمر يوماً أن يُكتب لمشروعها الخاص النّجاح في مجتمعها القروي المحافظ، إذ الدافع الأساسي لإنشائه حاجة الأسرة المادية مع ظروف عمل زوجها غير المستقرة، ولإيفاء احتياجات أسرتها المكونة من سبعة أفراد.

قبل عدة سنوات أطبقت الضائقة الاقتصادية على الأسرة، إذ احتلت تفكير ووجدان لينا، التي كانت أسرتها تكبر يوماً بعد يوم، في حين أن عمل زوجها المتقطع "خياطًا" لا يلبّي حتى الحاجات الأساسية للحياة.

تقول: "كنت أتمنى أن أعمل لو بدخل مقداره عشرة شواقل يومياً، فلم أكن قادرة على أنْ أشتري ملابسَ، ولا أثاثًا".

تلك الهواجس باحت بها لينا لإحدى صديقاتها، إضافة إلى رغبتها في العمل مع عدم إكمالها تعليمها، ورفض زوجها أيّ عمل يتطلب الخروج من المنزل في مجتمعٍ قروي محافظ، فاقترحت عليها صديقتها استغلال مهارتها في صنع "الخبز البلدي" -الذي يُخبز في فرن الطين- للمعلمات في مدرسة القرية.

حازت الفكرة على إعجاب "لينا"، فخبزت قُرابة عشرين رغيفًا، وذهبت بها في اليوم التالي إلى المدرسة، وباعتها للمعلمات. نال الخبز إعجابهن، فأصبحنَ يطلبنَه يوميًا، "كانت فرحتي لا توصف عندما أعود بربح مقداره من عشرة إلى خمسة عشر شيقلًا يومياً".

ولكنّ الأمر لم يدُم طويلاً، ففي إحدى المرات، وفي حين كانت تنتظر خروج المعلمات من دوامهن، رأتها المديرة التي نهرتها وأخبرتها أنّ المدرسة ليست "باب رزق"، ولم تسمح لها بأن تبيع الخبز. عادت "لينا" إلى المنزل ودموعها تملأ وجنتيها، وهي تشعر بالإحباط، وأنّ الأبواب قد سُدت أمام وجهها.

تقول: "رآني أحد أبنائي حزينةً ومهمومةً، وعندما علم السبب عرض عليّ أن أبيعه في "السوبرماركت" المجاور لمنزلنا. استحسن مالكه الفكرة، وطلب منه أن يُحضر له "خمس ربطات" لتكون تجربة أولى، وقد كان ذلك يوم أربعاء، والناس عادة يومي الخميس والجمعة يكونون في إجازة، ويحتاجون إلى الخبز البلدي؛ للتّغميس مع الفول والحمص".

وتضيف: "تفاجأتُ باتصالٍ منه في اليوم ذاته يطلب مني أنْ أُحضر له عشر ربطات جديدة، قبل يوم الجمعة، كان اتصالًا مفرحًا، وفي الوقت نفسه تحديًا كبيرًا، فأنا أستيقظ عند الثانية صباحًا؛ لأُنجز الكمية المطلوبة للمعلمات، والآن سأضطر للسهر طوال الليل ليكون الخبز جاهزًا عنده قبل السابعة صباحًا".

وظلّ "السوبرماركت" يطلب مني الخبز يومياً، ثم أصبح محلّان آخران يطلبانه منّي، كان الأمر متعبًا ومرهقًا، لكنني كنتُ سعيدة بإنجازي، وبأنني أصبح عندي دخٌل أسدُّ به متطلبات أبنائي".

"حوش البيت"

كانت بداية عمل "لينا" في "حوش بيتها"، وباستخدام فرن الطين الصغير المنزلي، لكن مع كثرة الطلبات، والإقبال الكبير من الناس، أصبح توسيع المكان أمراً مطلوباً، كما أن ضغط العمل أصبح مرهقاً جداً لها، " كانت عيناي تغفوان وأنا أعجن وأخبز، كنتُ أظل واقفةً على قدميَّ ساعاتٍ طوالًا؛ لتغطية متطلبات خمسة محال تجارية في القرية".

ويتخلل هذا العمل المرهق مطبات، كأن تفسد العجينة فأضطر لاستبدالها، حتى اقترح عليّ البعض أن أشتري فرنًا كبيرًا مثل الموجود في المخابز الكبيرة، حيث كانت تَخبز خمسةً وعشرين رغيفاً في ساعة ونصف الساعة، في حين يخبز الفرن الكبير عشرين رغيفاً في الدقيقة الواحدة، كما أنّه يمكنني خبز مناقيش الزعتر، والمعجنات.

عملت لينا على تفصيل فرن كبير، وشراء "عجّانة كهربائية"، وتوسِعَة العمل، وقد عرض عليها زوجها مساعدتها في العمل لمدة عامٍ واحدٍ، بعد ازدياد الطلب على الخبز، وأصبح لها اسم على صعيد محافظة نابلس بأكملها، "يأتيها الزبائن من كل مدينة نابلس وضواحيها، وعلى الرغم من توسّع العمل رفضت استئجار مكان، والخروج من منزلها الذي عدَّته آية الرزق لها".

وتباعًا لم يتوقف نجاح لينا عند حدود محافظة نابلس، إذ أصبح لديها زبائن في جنين وطولكرم والقدس، ولا سيما في رمضان الماضي، "فبعض الزبائن من تلك المناطق، فاجؤوني بجلب أمهاتهم ليتعرفوا إليّ، وإلى المخبز الذي ينتج هذا الخبز البلدي الذي تفوح منه ذكرياتهم في الطفولة والشباب".

وواجهت "لينا" في مشوارها استهزاء وسخرية وعدم تفهُم من الكثير ممن حولها في قريتها، فقد كان أمراً غريباً عليهم أن تُنشئ امرأة مشروعها الخاص، "لكنّ تلك التحديات كانت وقوداً للاستمرار والنجاح، وقد علَّمت المهنة لابنَيْها الكبيرين".

تقول: "لقد تبعتني كثيرٌ من النساء في قريتنا بعد أن رأينَ النجاح الذي حققتُه، فأنشأن مشاريعَ صغيرة لبيع المأكولات والحلويات، لقد كان الطريق صعباً، لكنني سترتُ بيتي وأمّنتُ مستقبل أبنائي، وسأستمر في هذا العمل الشريف الذي نقلني من حالة العوز للاكتفاء المالي".