عندما تحتلّ "الصهيونيّة الدينيّة" مواقع صنْع القرار، يصبح من الواضح أن الاستيطان سيكون في رأس سلّم أولويّاتها، ولأنّ الاستيطان ليس مجرّد "حقيبة" في حكومة، بل هو جوهر الدولة الاستعماريّة ذاتها؛ يصبح من الأهميّة بمكان، أن يقبض ممثّلوها على ما أمكن من مفاصل الدولة المتمثّلة بالقوّتين الاقتصاديّة والعسكريّة، ذات العلاقة بالنظام الداخليّ، والحكْم والسيطرة على امتداد نفوذ (إسرائيل) في المساحة الواقعة بين النهر والبحر.
لتحقيق هذه الأهداف، أو هذا "المخطّط"، كان لا بدّ أن يطالب سموتريتش بوزارة الأمن، ليبدو أنه تنازل بالموافقة عن وزارة المالية، ويتمكّن بالتالي من انتزاع "الإدارة المدنيّة" من وزارة الأمن، وإلحاقها بوزارته الموعودة، فيجمع بين تولي إحدى أهمّ الوزارات في الدولة، التي تتحكّم بتوزيع مواردها الاقتصاديّة، وبين القبض على إدارة الشؤون المدنيّة للفلسطينيين وللمستوطنين في الضفة الغربيّة، والتي تستمدّ السلطة الفلسطينيّة صلاحيّاتها منها، أو هي تتقاسم معها بعض الصلاحيّات، وبذلك هو لا يتحكّم فقط في مناطق "ج"، التي يسعى إلى تعزيز الاستيطان داخلها وسحب السيادة الإسرائيليّة عليها، بل يتحكم أيضا بالسلطة الفلسطينيّة، وبالقدرة على تحديد نطاق صلاحيّاتها.
وعندما تتكامل هذه "الإدارة المدنيّة" التي يتولّاها سموتريتش مع "جيش بن غفير"، الذي يتشكل من "حرس الحدود"، بعد أن يتمّ نقل صلاحيّة قيادته من الجيش الإسرائيليّ ووزارة الأمن إلى وزارة "الأمن القوميّ" التي سيتولّاها الأخير، فإنّ الحديث سيجري عمليًّا عن "دولة المستوطنين" في الضفة الغربيّة التي سيكون رئيس حكومتها سموتريتش ووزير أمنها بن غفير.
إلا أنّ "الصهيونيّة الدينيّة" التي تتبنّى برنامج "أرض إسرائيل الكاملة"، لن تكتفي بـ"دولة المستوطنين" في الضفة الغربيّة، ولذلك أقامت تحت شعار الاستيطان بالقلوب "الأنوية التوراتيّة" في قلْب المدن المختلطة داخل (إسرائيل)، وأصرّ بن غفير على تولّي حقيبة "الجليل والنقب"، لتعزيز الاستيطان في هذه المناطق العربّية الطابع، من جهة، والضرب على "رؤوس" العرب فيها بواسطة ميليشياته الرسميّة، المتمثّلة بوحدات الشرطة و"حرس الحدود" المختلفة، التي يتولّى قيادتها بصفته وزيرا للأمن القوميّ، يتمتّع بصلاحيّات تنفيذيّة، اقتُطعت من القائد العامّ للشرطة.
هذا التكامُل الجغرافيّ بين المناطق المحتلّة منذ عام 1967، ومناطق الـ48، ذات الحضور الفلسطينيّ في المدن المختلطة والجليل والنقب، من جهة، والتكامُل بين مسؤوليّات وصلاحيّات وزارات سموتريتش وبن غفير السياسيّة والإداريّة و"العسكريّة" التي جرى تفصيلها على مقاس سياسة الصهيونيّة الدينيّة وأيديولجيّتها الاستعماريّة الاستيطانيّة، الذي يلغي الفوارق القانونيّة القائمة بين مناطق 48 ومناطق 67، ومن جهة أخرى يفترض أن يوحّد ردّ الفعل الفلسطينيّ على جانبَي الخطّ الأخضر في وجه الأخطار المحدقة بالأرض والإنسان الفلسطينيّ.
القضائيّ يوئيل زينغر الذي صاغ اتفاقيّات "أوسلو"، كتب في مقال نشرته "هآرتس" في هذا السياق، أنه بحسب قواعد القانون الدوليّ التي تسري على الوجود الإسرائيليّ في الضفة الغربيّة، فإنّ جميع صلاحيّات السلطة تقع في أيدي القائد العسكريّ للمنطقة (قائد المنطقة الوسطى)، وإذا كان القائد العسكريّ في المنطقة (المحتلة) يشغّل مدنيين لمساعدة الحكم العسكريّ (الإدارة المدنية)، فإنهم أيضا يعملون تحت إمرة القائد العسكري للمنطقة بشكل كامل، حتى لو كانوا يتلقّون توجيهات مهنيّة من الوزارة التابعين لها في (إسرائيل).
ويشير زينغر إلى أنه في حال إبطال خضوع "الإدارة المدنيّة" لقائد المنطقة العسكريّ، وإخضاعها لسموتريتش عِوضا عن ذلك، مثلما يطالب الأخير؛ فإن ذلك قد يقود إلى الادّعاء بأنّ (إسرائيل) تغيّر وضعيّة المنطقة، من منطقة واقعة تحت سيطرة عسكريّة إلى منطقة مدنيّة إسرائيليّة، وتقوم بذلك بخرق القانون الدوليّ. الأمر ذاته ينسحب أيضا على إبطال إخضاع "حرس الحدود" في الضفة الغربيّة لقائد المنطقة العسكريّ، وإخضاعه عوضا عن ذلك لبن غفير، بحسب ما ينصّ عليه الاتفاق بين الليكود و"عوتسما يهوديت".
بهذا المعنى، إن (إسرائيل) تقوم، بجرّة قلم، بضمّ الضفة الغربيّة رسميًّا وفعليًّا، من خلال تحويل وحدات جيشها العاملة هناك تحت مسمّى "حرس الحدود" إلى شرطة مدنيّة يتولّى إمرة وزارتها بن غفير، ونقل "الإدارة المدنيّة" التي تدير شؤون المنطقة من إمرة القائد العسكريّ إلى إمرة وزارة مدنيّة هي وزارة الماليّة التي يتولّاها سموتريتش.