يبدو أن المعركة في القدس المحتلة لم تضع أوزارها بعد؛ وإنْ تصور البعض أن غبارها قد انجلى. ثمة "تراجع تكتيكي"، يحذر منه نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية بشارة مرهج، أجرته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن إجراءاتها الأخيرة ضد المسجد الأقصى، لكن مخططات ومحاولات التهويد جارية على قدم وساق.
كيف هو حال القدس المحتلة في الوقت الراهن؟ توجهت صحيفة "فلسطين" بهذا السؤال لمرهج الذي يجيب: "الوضع الحالي يجسد توازن القوى داخل القدس المحتلة، حيث استطاع أهالي المدينة أن يقاوموا الإجراءات الصهيونية المجحفة بحق المسجد الأقصى والمصلين الفلسطينيين".
ويفسر: "عندما جابه أهل فلسطين والقدس بصورة خاصة الجندي الصهيوني وقالوا له: نحن هنا أصحاب الأرض والأقصى لنا ولأولادنا من بعدنا ووقفوا بثبات وقوة في وجه الحراب الإسرائيلية انتفض الشارع العربي كله معهم فتأكد للإسرائيليين أن معركتهم ستكون خاسرة فتراجعوا تكتيكيا عن محاولاتهم الآثمة احتلال الأقصى وتدنيسه ورضخوا مؤقتا للإرادة الفلسطينية الشعبية التي برهنت عن وحدتها وتصميمها في الحفاظ على حقوقنا وسلامة الأقصى".
وكانت قوات الاحتلال منعت في 14 يوليو/تموز الماضي، إقامة صلاة الجمعة في باحات الحرم القدسي الشريف، وقرر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك نصب بوابات إلكترونية وتركيب كاميرات مراقبة خارج الأقصى، قبل أن تتم إزالتها بفعل الضغط الشعبي الفلسطيني.
لكن ماذا يعني هذا "التراجع التكتيكي"؟ يقول مرهج، إن حكومة الاحتلال "لن تسكت عن ذلك وإنْ كانت قد اتخذت إجراءات تراجعية بسبب الأقصى إلا أنها مستمرة في الاستيطان وتطويق المسجد والقدس بالمنشآت (اليهودية) والجسور من أجل إسقاط القدس بطريقة أو بأخرى".
ويُبيِّن أن تصميم حكومة الاحتلال قائم ودائم لتهويد الأقصى واحتلاله لأنها تعتبر أن هناك يكمن ما تزعم أنه "جبل الهيكل ومركز أورشليم و(إسرائيل) المفترضة"، لذلك هذه المعركة لم تتوقف من الناحية الاستراتيجية والمستقبلية وإنْ توقفت اليوم.
وفي المقابل، يؤكد أن أهل القدس يرصدون هذه الأعمال ويتهيؤون لمقاومتها حفاظا على أرضهم وممتلكاتهم وفي المقدمة منها المسجد الأقصى.
وعن وسائل المقدسيين لمواجهة مخططات الاحتلال، يقول إنهم يمتلكون بالدرجة الأولى "الإيمان والتصميم والشعور بأنهم أصحاب الحق وأنهم يضحون لأجله"، مشددا على أن المقدسيين لا يستسلمون ولا يبيعون أرضهم، وهذا فخر لكل الدول العربية والإسلامية.
وحلت أمس، ذكرى اقتحام متطرف أسترالي الجنسية يدعى دينيس مايكل روهان المسجد الأقصى من باب الغوانمة، وإشعاله النار في المصلى القبلي بالمسجد، سنة 1969م، في إطار سلسلة من الإجراءات التي نفذها الاحتلال منذ 1948م، لتهويد المدينة المقدسة.
التهويد
ويذكر مرهج الخطة الحالية المعتمدة التي تنفذها حكومة الاحتلال، وهي "الاستيلاء الكامل على القدس وفلسطين وتهويدهما"، مبينا أن تركيز الاحتلال على الأقصى باعتباره الأساس في الوجود المقدسي والفلسطيني.
ويشرح هذه الخطة قائلا: "إن لها عدة طرق، منها جعل الحياة بمثابة جحيم في القدس بحيث لا يستطيع المقدسي أن يعيش بكرامته أو أن يعمل بالتجارة ويكون جزءا لا يتجزأ من الجسم الفلسطيني لأن هناك فصلا ما بين الضفة والقدس ومنعا للزوار الأجانب من ارتياد المحال الفلسطينية".
ويلفت إلى أن هناك محاولة لتجويع الفلسطينيين وتدمير مؤسساتهم التربوية والعائلية والتجارية وفرض التهجير عليهم خصوصا أنهم يعيشون في ظل قوانين جائرة لا تسمح لهم بالبناء أو باستصدار الرخص وتطوير المؤسسات، أو بتلقي التبرعات وهذا أخطر شيء توصلت له حكومة الاحتلال، أنها تمنع وصول التبرعات ولو كانت بالنزر اليسير إلى الشعب الفلسطيني فيما هي تتمتع باستلام تبرعات بمئات الملايين وتعطي امتيازات للمستوطنين وتحرم الفلسطينيين من حقوقهم.
ويتابع: "هذه هي خطة التهويد: الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلسطينيين، وبناء المستوطنات، وكل هذا يستمر في ظل صمت دولي وتردد عربي عن القيام بالواجبات وتنفيذ القرارات التي اتخذتها القمم العربية المتعددة".
وتجري سلطات الاحتلال الإسرائيلي حفريات مستمرة أسفل ومحيط المسجد الأقصى في ظل تعتيم كامل. وأدت هذه الحفريات في مارس/آذار الماضي إلى حدوث تشققات في أرضية المسجد العمري الصغير الذي يبعد نحو 200 متر عن الأقصى.
وعما إذا كانت الخطوة الاحتلالية القادمة هي التقسيم المكاني للأقصى، يوضح مرهج أن هناك "نوعا من التقسيم الزماني والمكاني غير المعلن"، قائلا: "(إسرائيل) توصلت إلى ما يشبه التقسيم المكاني لأن الأقصى يشهد يوميا اقتحامات من المستوطنين وبعض النواب والوزراء، والقوى الأمنية الإسرائيلية كل يوم موجودة في الأقصى".
ويضيف: "هذا نوع من التقسيم المكاني والزماني؛ لأن الفلسطيني ممنوع من ارتياد الأقصى بشكل طبيعي، هناك شروط قاسية جدا على الفلسطينيين"، مبينا أن الفلسطيني لا يستطيع أن يدخل إلى المسجد الأقصى ويمارس حقه في الصلاة.
ويأسف مرهج، على "الإهمال من الدول العربية والإسلامية للقدس.. لا أحد يقوم بواجباته كاملة تجاه المدينة. إنما يكتفون ببعض التصريحات والمواقف العارضة في حين أن الأمر يحتاج إلى استراتيجية ومواقف ثابتة يتراكم تأثيرها على مدى الأيام حتى تستعاد القدس حرة عربية".
ويرى أنه "لا أحد" من الدول العربية والإسلامية يلتفت "بصورة حقيقية لما يجري في القدس ويدعم أهلها ومؤسساتهم بالطريقة المناسبة".
ويشير إلى أن المطلوب من قادة الدول العربية والإسلامية تحرير الأقصى والقدس من سلطة الاحتلال "الجائرة".
ويؤكد أن سلطات الاحتلال لا يحق لها القيام بأي عمل داخل القدس، وهي تقوم بتغيير معالم المدينة وتزويرها وبناء مستوطنات عليها و"منشآت دينية حتى يقال في المستقبل: إن هذه أرض يهودية".
ويتساءل مرهج: "أين هي الجامعة العربية؟ أين هي الحكومات العربية؟ نحن كيف نعتب على الأغراب وعلى الغرب والشرق إذا كنا نقبل بهذه الإجراءات ولا نتصدى لها بكل الوسائل الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية وبكل ما نملك من قوة؟ كيف نستطيع أن نقول للآخرين: تضامنوا مع القدس في الوقت الذي نحن نتهاون فيه؟".
كما يتساءل، عن أنه كيف يمكن السكوت على صفقة بيع ثلاثة مبان تابعة للبطريركية الأثوذكسية في القدس المحتلة لجمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية، الموقعة في عهد البطريرك المخلوع إيرينيوس، منبها إلى أن كل هذه الإجراءات غير قانونية.
وعن دور السلطة بشأن القدس المحتلة، يعرب عن أمله في أن تتحول السلطة إلى "قاعدة وحدة وليس انقساما"، وأن "تبني" على القرار المعلن من قبل رئيسها في 23 يوليو/تموز 2017 بوقف التنسيق الأمني مع (إسرائيل).
ويأمل مرهج في أن تعمل السلطة على "التعويض عن الأخطاء السابقة والقيام بما يتوجب عليها تجاه القدس ومؤسسات المدينة وأهلها".
ويتمم بأن "هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به السلطة أولا من ناحية الموقف، والدعم الاقتصادي، وحمل هذه القضية بشكل يومي للسفارات العربية وكل المحافل الدولية. بمعنى أن تكون القدس أول بند في أي عمل دبلوماسي وسياسي وليس آخر بند".
يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تبنت في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.