فلسطين أون لاين

الولجة وسلوان والشيخ جراح فصول في قصة واحدة

أدينا يوم الجمعة الماضي الصلاة في بلدة الولجة، وشاركنا في اعتصام جماهيري أقيم على أراضيها احتجاجًا على جريمة هدم بيوتها التي تواصلها القوات الإسرائيلية.


وكان سكان قرية باسل الأعرج قد تصدوا ببسالة الأسبوع الماضي لجرافات الاحتلال، ومنعوها من هدم أحد البيوت.


الولجة التي صودر فعليًّا جزء كبير من أراضيها جزئت إلى شطرين بجدار الفصل والإجرام العنصري، وسعى الاحتلال إلى ضم وتهويد معظم أراضي القرية، ويدعي أنها جزء من "القدس الموحدة"، وكل بيت أنشئ عليها مرشح للهدم.


وفي الأسبوع نفسه هدمت جرافات الاحتلال بيوتًا في دير أبو مشعل وكوبر، بعد أن تصدت المقاومة الشعبية بالقريتين لقوات الاحتلال أيامًا عديدة.


أما حي البستان في سلوان فعادت حكومة الاحتلال العنصرية إلى محاولة هدم ما لا يقل عن مئة وعشرين بيتًا فيه، بهدف تحويل الأرض المقامة عليها إلى حديقة للمستوطنين غير الشرعيين المتسللين إليها.


وفي الشيخ جراح تواجه عائلة الشماسنة مثل عائلات مقدسية كثيرة سبقتها محاولات لطردها من بيوتها، بهدف منح جمعيات استيطانية هذه البيوت.


هذه الأحداث وكثير غيرها تمثل فصولًا في قضية واحدة مستمرة منذ بدايات القرن العشرين، إذ سعت الحركة الصهيونية بالاحتيال، والسرقة _وفي الأغلبية الساحقة من الحالات بالمجازر وقوة السلاح_ إلى الاستيلاء على أراضي وبيوت الفلسطينيين وتهويدها.


لكن المغزى السياسي مما يجري هو أن حكومة الاحتلال والجمهور الذي ينتخبها أي أغلبية اليهود الإسرائيليين قد قرروا رفض الحل الوسط والظالم، الذي قبل به ممثلو الفلسطينيين الرسميين، أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها شرقي القدس على 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية، فصار حال الفلسطينيين مثل صاحب المثل القائل: "قبلنا بالهم والهم لا يقبل بنا".


أي أن الكيان العبري، وناخبيه قد اختاروا مواصلة طريق الحرب والعدوان والتوسع بالقوة، متحدين كل القوانين الدولية والإنسانية وقرارات الأمم المتحدة، وكل ما عقد مما يسمى "اتفاقيات السلام".


ما يمارسه الكيان العبري في فلسطين ليس فقط الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، والتهجير الأسوأ، بل أكثر من ذلك، إذ خلق نظام (الأبارتهايد) والتمييز العنصري الأسوأ في تاريخ البشرية.


وبزيارة رئيس الكيان ريفلين ورئيس الأركان الإسرائيلي آيزنكوت إلى ما يسمى الإدارة المدنية (الذراع المدنية للحكم العسكري الإسرائيلي للأراضي المحتلة) يرسل الكيان للسلطة الفلسطينية رسالة واحدة، مضمونها أنه ينوي إعادة إدارته "المدنية" واستبدالها بها.


الرسالة الإسرائيلية الثانية بتصعيد الاستيطان هي أن باب المفاوضات مغلق، إلا إذا كانت مفاوضات للاستسلام لمخططات الحركة الصهيونية.


وعلى ما يبدو ليس لدى مبعوثي ترامب سوى أجندة محاولة إقناع الفلسطينيين بتقبل اعتداءات الإسرائيليين دون ردود فعل، وبالمشاركة في عملية خداع وتضليل اسمها المفاوضات لتكون غطاء لفرض الوقائع الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة.


والخلاصة: لا يوجد سوى استنتاج واحد، الفلسطينيون ليسوا في مرحلة حل مع الحكومة الإسرائيلية، بل في مرحلة نضال وكفاح ضدها ومن أجل حقوقهم.


وبكلمات أخرى: إن مسيرة أربعة وعشرين عامًا منذ وقع اتفاق أوسلو انتهت إلى صفر كبير، مع كل ما بذله الفلسطينيون من جهود، ومن ذلك إغضاب أجزاء من شعبهم، وما قدمه المجتمع الدولي من تمنيات حسنة.


نحن في مرحلة نضال وكفاح من أجل وجودنا ومستقبلنا، والمجتمع الدولي بل من هو صادق منه مطالب بأن يقوم أيضًا بواجبه بفرض عقوبات على الطرف الذي خرق ويخرق كل الاتفاقيات وبنود القانون الدولي، ويعيث فسادًا بالقانون الإنساني الدولي، ويواصل ممارسة الاحتلال والأبارتهايد ويريد تكرار جريمة "التطهير العرقي".


من يُرِد السلام الحقيقي فعليه أن يكافح ضد هذا الظلم الإسرائيلي، وأن يفرض العقوبات على مرتكبه.


أما أهالي الولجة، وكوبر، ودير أبو مشعل، وسلوان، والشيخ جراح، وكل القدس فهم الذين سيصنعون التاريخ بصمودهم وبسالتهم الأسطورية.