وأخيرًا نشرت وزارة الخارجية الفلسطينية أسماء من غرقوا قبالة السواحل التونسية، وهم يبحثون عن لقمة العيش في بلاد الغرب. رحمهم الله جميعًا، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، هم ذهبوا لخالقهم وبقي لنا منهم درس يجدر الوقوف عنده.
ثلة من شباب غزة التهمتهم أمواج البحر المتوسط. البحر الهائج لا يفرق بين جنسية وجنسية، وليس لديه علم بمأساة الفلسطيني في بلد يحتله عدو استيطاني ظالم. البحر الذي أغرقهم يمرّ بغزة، لكنه محاصر كما أنتم محاصرون. الحصار يحرم شباب غزة من فرص عمل كريمة تسد جوعهم، وتلبي حاجاتهم كشباب يريدون بناء أسر ومستقبل.
البحر الغاضب لم يقتل الفلسطيني، بل (إسرائيل) هي التي قتلتهم، لأنها هي التي أرغمتهم على ركوب البحر، ولو لم يكن ثمة احتلال وحصار لما ركب الشباب البحر في مراكب لا تصمد أمام غضب الأمواج.
الفلسطيني حين يجد فرصة عمل تغنيه عن سؤال الحاجة لا يقبل الهجرة لبلد آخر، ولو كان الأجر فيها مضاعفًا، ولكنه مضطر إلى الهجرة بحثًا بعد أن فقدها في وطنه.
كل من يسكن غزة يعرف يقينًا قيمة وطنه، ويعرف جيدًا قيمة الرباط في البلد المبارك، ولكن هذه المعرفة تدخل في صراع ذاتي خطير داخل النفس مع لقمة العيش، وبناء الأسرة والمستقبل، وأحيانًا تتغلب الحاجة المادية للحياة على تمسّك النفس بالقيم.
النفس تحيا بالمادة كما تحيا بالقيم، وعليه يجدر بكل من يسكن بلدتنا المحاصرة أن يجري مصالحة عملية بين الحاجة المادية والقيم الحاكمة كما شرعها ديننا الحنيف. لا يجوز لصاحب الحاجة المادية أن يخاطر بنفسه فيركب البحر دون أن يثق بالسفينة التي يركبها، وبالقبطان الذي يقودها، فكثير منهم سماسرة غدارون.
لقد كره سيدنا عمر الغزو بالبحر لغدره بمن يركب ثبجه، لا سيما حين تكون راحلته ضعيفة، ولا تكاد تصمد أمام غضب الماء. حياة قليلة المادة في غزة المحاصرة، خير من حياة كثيرة المادة في أوروبا. ليس في أوروبا روح، ولا قيم، ولا دين، ويمكن القول إنه لا مال كافٍ في بعضها لا سيما لمن هم من الشرق الأوسط. يجدر بكم إخوتي ألا تغامروا، فمن الشجاعة صبر ساعة، والله لن ينساكم من فضله. رحم الله شهداء البحر، وكل شهداء فلسطين والمسلمين.