المنامة وأبوظبي عاصمتان عربيتان خليجيتان عقدتا اتفاقيتي سلام مع العدو الصهيوني، ورغم أنه لم يسبق لأي منهما خوض حرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فإنهما بادرتا بإقامة علاقات معها، قد يتفهم البعض حاجة هاتين الدولتين الخليجيتين "الاضطرارية" لإقامة هذه العلاقة الشاذة لظروف موضوعية جيوسياسية تتمحور حول رعب هاتين الدولتين المزمن مما تسميانه "التهديد الإيراني" نظرًا إلى شعور النقص الذي يعتري هاتين الدولتين، لكونهما دولتين نفطيتين غنيتين، وفي الوقت ذاته قليلتي عدد السكان وضعيفتين من الناحية العسكرية، وقد كُوي وعي قادة هاتين الدولتين منذ الغزو العراقي للكويت، فظل هاجس التهديد الوجودي يسيطر على تفكير هؤلاء القوم؛ الأمر الذي أسفر عن توجه غريزي نحو ما يظنونه مصدر قوة، فكانت (إسرائيل) بما تمثله من احتلال همجي إجرامي لفلسطين هي ضالتهما المفقودة، ورغم أن دولة الاحتلال الصهيوني ما زالت غير قادرة على تأمين نفسها منذ نشأتها فإن هاتين الدولتين وجدتا فيها "درعًا حاميًا" يمكن لهما الاحتماء به عند الضرورة.
وفي سبيل ذلك حاولت هاتان الدولتان أن تفرضا شكلًا غير مستساغ من التطبيع على مواطنيهما لم يلبث إلا أن لفظه شعبا الدولتين كما تلفظ المعدة الطعام الفاسد الذي قد يجبر الإنسان على تجرعه.
وظل شعبا الدولتين يشيحان بوجهيهما بعيدًا عن مستنقع التطبيع رغم الدعوة الإبراهيمية التي لم تجد لها حتى اللحظة من يؤمن بها، حيث لم يأتِ نبي هذه الدعوة بمعجزات تقنع الأتباع والمريدين، تلك الدعوة التي أراد لها مدعوها أن تؤلف بين قلوب الشعوب الخليجية وقلوب المحتلين، إلا أن ذلك كله لم يسفر عن نجاح يذكر، حتى إذا استيئس نبي هذه الدعوة وأيقن أنه كُذِّب، خاصةً بعد مشاهد الكره والاحتقار التي وجدها الاحتلال في مونديال قطر حيث عبرت الشعوب العربية بل وشعوب العالم بأسره عن مدى عزلة كيان الاحتلال ونبذه، تفتقت أذهان "أصفياء" الدعوة الإبراهيمية عن معجزة يستطيعون من خلالها بث الروح في دعوتهم الميتة، فكانت استضافة رئيس دولة الكيان المنبوذ واستقباله بحفاوة تشي بمدى الفشل الذي وصلت إليه دعوة المطبعين، فجاء الاستقبال بهذه الحفاوة كي يخفي خيبة أمل كبيرة بستار الأبهة والفخامة التي أحاطت بالزيارة، فكانت كمن يستر جيفة منتنة برداء من حرير.
الانفصام الواضح في الرؤية والهدف والغاية بين الشعوب العربية والقيادات الرسمية التي تؤمن بالتطبيع أبرزته فعاليات مونديال قطر، ذلك الحدث الرياضي الذي يفترض فيه ألا يكون له أبعاد سياسية، ولكن كما يقول المثل "الطبع غلاب"، فتغلب طابع العروبة وحب فلسطين لدى الجماهير العربية على التطبيع، وانزوى الكيان الصهيوني خاسئًا وهو حسير، وأصبح فريقه الإعلامي يتجول في قطر خائفًا يترقب ويلوذ بانتحال جنسيات أخرى خشية أن يبطش به.
مونديال قطر أعطى درسًا قاسيًا للحكام المطبعين بأن الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الحرة لا تقبل الكذب ولا تقبل التضليل ولا تقبل دعاوى الإفك، ولكنهم ما زالوا في سكرتهم يعمهون، وأظنهم لن يستيقظوا من سكرتهم إلا على نار تلظّى لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب الشعوب وأصالة توجهها وتولى إلى الزيف والخداع.
زيارة هرتسوغ للمنامة وأبوظبي لن تمنحه أو تمنح شعبه حبًّا مفقودًا في مونديال قطر، وكذلك فإن تلك الزيارة لن تمنح المنامة وأبوظبي أمنًا مفقودًا في الخليج، وسينتهي مفعول هذه الزيارة بمغادرة طائرة هرتسوغ للأجواء الخليجية، وسيبقى الخليج عربيًا إسلاميًا بلفظ الخيانة كما لفظت الدوحة الشواذ.