فلسطين أون لاين

​والده لـ"فلسطين": استشهاد ابني عرس وفخر ورصيد لنا

"قتيبة زهران" .. على "حاجز زعترة" ترك رسالة مكتوبة بالدم وارتقى شهيدًا

...
الشهيد قتيبة زهران
طولكرم / غزة - يحيى اليعقوبي

في يوم فارق عاشته عائلة "زهران" من بلدة علّار في طولكرم، أول من أمس، ومع حلول الظهيرة صلى الأب زياد زهران (64 عاما) مع ابنه قتيبة 17 عاما "الظهر"، عادا إلى المنزل بعد انتهاء الصلاة؛ تناولا طعام الغداء في رحاب جو عائلي بامتياز .. عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا؛ قتيبة يستأذن والده "بدي أطلع للعمل"، ذهب ومرت ساعة وساعتان على خروجه من المنزل.

الوالد الذي اعتاد التأكد من وصول ابنه الذي يعمل بـ"الدهان" لمكان عمله، أمسك هاتفه واتصل بابنه إذ لم يخطر بباله أي تساؤلات، أو حتى أي حدس أو شكوك داخلية، فهو موقن أن ابنه سيخبره أنه وصل مكان عمله حسب اعتقاده إلا أن الهاتف كان مغلقا، ولم يدرك أن نجله ذاهب لتنفيذ عملية طعن فلم تظهر أي علامة تثير انتباه العائلة فقد كانت طريقة وداع قتيبة لأهله مشابهة لطرق خروجه من المنزل بشكل يومي.

انتظر والده الذي لم يصاحبه القلق في البداية لبضع من الوقت، حتى بدأت صورة نجله ووصيته تنتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، متزامنة مع توافد جموع غفيرة من أبناء القرية لمنزله.

رسالة قتيبة التي نشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بدأت بعد ذكر آيات الجهاد "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة .."، بمخاطبة والده قائلا: "ها أنا قد حققت أمنيتي وأقبلت على الشهادة في سبيل الله بعزيمة المجاهدين ورحلت عن هذه الدنيا الفانية .."، ولأمه مضيفا بقلمه الذي كتب بالدم "إن رضا رب العالمين عليّ مرهون برضاك، وإن أمنيتي لن تتحقق إلا بفك هذا الرهان"، طالبا السماح من كافة اخوته.

"وصيتي لكم يا أهلي بأن لا يبكي أحدٌ في زفتي للجنة، بل وزعوا التمر وزغردوا في عرس الشهادة .. إلى اللقاء قريباً بإذن الله في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " ختم به وصية استمد حبرها من دمائه وتعلقه بقضية وطنه.

على بعد خمسة أمتار من حاجز زعترة الإسرائيلي الواقع جنوب مدينة نابلس، استشهد قتيبة زهران 17 عاما برصاص جنود الاحتلال، نعته حركة حماس كأحد كوادرها، شاب في ربيع عمره وسيم كجمال شعره الذي يتشابه مع خيوط الشمس، خط رسالة ذيلها بتوقيع اسمه بسجل البطولة والفداء لأجل قضية عادلة.

جنود في البيت

في المساء، كما يواصل والده زياد زهران لصحيفة "فلسطين": حضرت قوة عسكرية من جيش الاحتلال لبلدة علّار في طولكرم مكونة من نحو 13 ناقلة، ونحو 30 جنديا إسرائيليا دخلوا لمنزل الشهيد، من بينهم ضابط يتحدث العربية بطلاقة تبدو عليه ملامح "الدروز"، دار بينه وبين والد الشهيد الحوار التالي..

ضابط الاحتلال يمد يده لوالد الشهيد: سلم علي ..

والد الشهيد الذي ينظر إليه رفض المصافحة: ما بسلم على يد نجسة قتلت ابني

الضابط بعد هذا الاستفزاز: "السلام لله "؛ إلا أن الوالد المجروح بنبرة غاضبة رد عليه "أنتم لا تعرفون الله"، ثم اتبع كلامه الذي رد فيه على سؤال آخر لضابط الاحتلال حول سبب تنفيذ ابنه للعملية قائلا له: "أنتم قتلتموه بدم بارد وهذا طبعكم .. الخبر قديم جديد بالنسبة لنا عن أفعالكم".

استمر والد الشهيد في لحظات غضب وحزن على فراق مؤلم: لو كنت محل هؤلاء الجنود لما أطلقت النار ولأمسكت به بيدي.

- ليش انت أطلقت النار على الجزء العلوي من جسده.

كلام زهران لاقى ردا جاهزا لدى ضابط الاحتلال "ابنك مخرب .. مش شهيد"، ابتسم والد الشهيد في لحظات ألم ورد الكلام على صاحبه .."ابني شهيد وانت المخرب؛ الآن يتنعم بأنهار الجنة".

"ماذا أقول؟" .. بدا الصبر واضحا على نبرة صوت والد الشهيد المتماسك رغم فراق مفاجئ صعب، " الحمد لله على كل شيء ربنا يتقبله شهيدا ويشفعه لأحبابه وأصحابه .. هذا عرس وفخر ورصيدنا بالجنة، الفراق صعب والموت مصيبة .. نطلب من الله أن يمن علينا بالصبر، لأن الله وعد الصابرين على الموت بأجر عظيم".

وقتيبة حسبما يذكر والده، رغم صغر سنه إلا أن لديه علاقات اجتماعية مع الكبار والصغار بالقرية، يحبه الجميع، متواضع، يحرص على المشاركة بكافة المناسبات الاجتماعية، يتميز في هدوئه، إلا أنه يئس من التعليم إذ أنه وجد والده خريج اللغة العربية، وإخوته الأربعة الذين درسوا الهندسة والعلوم بلا وظائف، وانشغل بالعمل في مجال الدهان، نتيجة واقع صعب تعيشه عائلته، أحب تربية الطيور، والرحلات العائلية السياحية، يحافظ على ترابط العائلة ويتقلد دور المصلح أمام أي مشكلة داخلية.