فلسطين أون لاين

أمضى طفولته أسيرًا ونزفت دماؤه في "بيتا" وأعدم في "حوارة" 

عمار مفلح.. نجا من اعتداء مستوطن فاستقبلته رصاصات الجندي

...
الشهيد عمار مفلح
نابلس - غزة/ يحيى اليعقوبي:

من الخلف وضع الجندي الإسرائيلي يده على عنق الشاب عمار مفلح (23 عامًا) وسحبه من بين شابين حاولا تخليصه، حاول مفلح إبعاد الجندي الذي يشهر بندقيته نحوه، تقابلت العينان للحظة، وكأنَّ عيني عمار وهو يرى الجندي يذخر مسدسه بالرصاص، ليرديه شهيدًا بأربع رصاصات في جريمة إعدام بدم بارد.

اقرأ أيضاً: إضرابٌ شاملٌ في حوارة تنديدًا بجريمة اغتيال الشهيد مفلح

صرخات الشاب الأخيرة تروي حكاية شعب يئن من آلام التهجير والنكبة، وفي ملامح الجندي حقد وفاشية وغطرسة حكومة إسرائيلية أعطته ضوءًا أخضر للارتكاب المزيد من الجرائم.

"نوارة عمر" والدته

أطلَّ الصباح حزينًا على العائلة، تجلس أمه على عتبات منزلها بعينين مملوءتين بأسى شديد، ساكنة بلا حركة شاردة حزينة، تنظر للفضاء الواسع أمام البيت، تستعيد لحظات سبقت الإعدام حينما كان عمار يقفز أمامها في اليوم ذاته، على حين يكتفي والده بنظراتٍ صامتة على وجه مكلوم.

تسيل دموعها بصمتٍ، تقبض على جرح قلبها وهي تروي آخر لحظات ابنها قائلة بصوتٍ تبلله دموع الفقد: "أحضر ثمار الجوز وأطعم عمته التي زارتنا، سألني: "بدك اشي؟" وغادر".

تعاتب نفسها بدموع لم تجف: "لو أني رجعته"، ثم تبكي رحيله: "عمار نور عيني ونوارة عمري، هو المميز عندي كنت أعمل كل شيءٍ لأجله، منذ زمن يريد الشهادة خاصة عندما استشهد صديق له كان يذهب لإلقاء الحجارة على جيش الاحتلال".

تغلق عينيها على جرحها الغائر، قبل أن تسدل ستار الصمت على صوتها: "بقدرش أعيش بدونه".

لكن لم يكن مشهد الإعدام إلا نهاية جريمة بدأها مستوطن حاول استفزازه ثم دهسه قرب حاجز "حوارة" جنوب مدينة نابلس، يروي تفاصيلها لصحيفة "فلسطين" ابن خاله وسام عديلي نقلًا عن شهود عيان، بأن عمار وفي أثناء وجوده بالمكان لشراء أغراض تعرض لاعتداء ومحاولة دهس من مستوطن، فابتعد عن الشارع، لكن المستوطن لاحقه، وهذا المشهد لم يوثقه الفيديو المنشور، ثم تدخل الجندي كما شاهد الجميع، حاول عمار الاعتراض على طريقة تدخل الجندي الفج ويبعد الخطر عنه، فقام الجندي بإطلاق النار كما شاهد الجميع.

طفولة محرومة

من بلدة "أوصرين" جنوب نابلس، عانى عمار من الاستيطان الذي يلتهم أراضي المواطنين، وحرم من طفولته، فكان أصغر أسير في "أوصرين" اعتقله الاحتلال بعمر 13 عامًا، يفتح عديلي سجل الاحتلال "الدموي" بملاحقة عمار، قائلًا: "اعتقلوه عام 2014 وهو طفلٌ صغير، بزعم إلقاء حجارة ومكث ثلاثة  أشهرٍ، وبعد عام أعاد الاحتلال اعتقاله لمدة عام لنفس التهمة".

قبل خمسة أيام قابل عديلي ابن خاله، وقبل ثلاثة أسابيع أمضوا يومًا كاملًا مع بعضهما عندما جاء عمار لمنزله لتركيب ألواح "الكرميد"، يصفه، بأنه "شاب مرح، بسيط، أخلاقه عالية، طيب".

اقرأ أيضاً: "عرين الأسود" تتوعد بالردّ على جريمة إعدام الشاب "مفلح"

بعد اعتقال الاحتلال شقيقه الأسير سامر (26 عامًا) الذي يقضي حكما بالسجن ثلاث سنوات منذ 2020، أصبح عمار وشقيقه بشار (24 عامًا) المعيلين للبيت بسبب مرض والدهم المزمن، علمًا أن لديه شقيقين طفلين وهما وضح (5 سنوات) ووضحة (4 سنوات).

نزفت دماء عمار على قمة جبل صبيح في قرية "بيتا" خلال الهبات الشعبية، وأصيب أربع مرات بالرصاص لحي والمعدني.

عمار، شاب وسيم تلتصق ملامح الطفولة التي حرم منها به، فملامحه تعطيه أقل من عمره بخمس سنوات، لكنه وقف أمام بطش الجندي والمستوطن رافضًا الخنوع والانكسار.

الجميع شاهد فيديو الإعدام الذي استفز المشاعر، شريط مر على قلب والده المثقل بالمرض المزمن ليضاف إليه وجع فقد لا علاج له، معتبرًا ما حدث "جريمة إعدام بشعة".

ما زال يتمسك بإعادة الجثمان وإلقاء نظرات الوداع الأخيرة: "تواصل جيش الاحتلال من خلال الارتباط معنا، وذهبنا لتسلم الجثمان، لكنهم رفضوا، ننتظر ولا نعرف متى سنستلم الجثمان"، يقول عديلي.

قطعت دمعة حارة مسير صوت والدته وهي تجيب عن سؤال أحد الصحفيين، بعينين محمرتين وقلب مقهور.
عن مقطع الفيديو قائلًا: "عمار صاحب شخصية عنيدة وقوية حاول الدفاع عن نفسه حتى هنا في البيت يظهر هذه الشخصية، أظهر قوة الشعب الفلسطيني وبطش الاحتلال الإسرائيلي".