إنَّ من يتابع وقائع مباريات كأس العالم في قطر، ودلالات هذه الوقائع، ودلالات خسارة أو فوز منتخبات كرة القدم على اختلاف أسمائها في هذه المباريات يجد أنها وما تصنع من أجواء حياتية يومية في قطر تحمل دلالات ثقافية وسياسية ثم تحمل دلالات رياضية نابعة من سيرورة التصفيات في هذه المباريات، وها أنذا أسجّل هذه الخواطر حول كل هذه الدلالات:
1. ظنَّ البعض ممن لا يزالون يتمسكون بعقدة حتمية سيادة الرجل الأبيض على كل أهل الأرض، أنَّ قطر بما أنها ليست من منظومة الرجل الأبيض، فهي عاجزة عن توفير البنى التحتية والأجواء المناسبة والنظام المطلوب لنجاح مباريات كأس العالم فيها، فهي في نظر أصحاب هذه العقدة الفاشية تملك المال ولكنها لا تملك القدرة على الإبداع في الإعداد والإدارة من أجل نجاح كأس العالم، لأنَّها دولة عربية ومسلمة وآسيوية وخليجية، وكل هذه الصفات تجعل منها في نظر أصحاب هذه العقدة الفاشية دولة متخلفة أو من دول العالم الثالث في أحسن الأحوال التي يجب أن تبقى تابعة لتوجيهات (الرجل الأبيض)!! فمن هي حتى تستضيف كأس العالم؟ ومن هي حتى يضطر كل لاعب كرة قدم أوروبي أو أمريكي أن يسافر إليها؟ ومن هي حتى تختم على جوازات سفر كل لاعبي كرة القدم العالميين كشرط لابد منه حتى يدخلوا إليها ويشاركوا في كأس العالم؟ ومن هي حتى تصبح في يوم وليلة قائدة لكل العالم في هذا الحدث العالمي الذي يستقطب كل قارات الدنيا، وكل سكانها، مطيعين لتوجيهات قطر على مدار موسم طويل أسمه (كأس العالم 2022)!!
ولم يقف أصحاب هذه العقدة الفاشية عند هذه الوشوشات، بل حاولوا بمكر الليل والنهار إفشال إقامة كأس العالم في قطر ثمَّ نقله إلى دوله أخرى، وراحوا بكل وقاحة يذرفون دموع التماسيح على ما أسموه (حقوق العمال) المهدورة في قطر وفق ادّعائهم!! وراحوا يتفاخرون بفجورهم متباكين على الخمر التي ستحرم قطر كل المشاركين في كأس العالم منها، خلال تواجدهم في قطر، ومتباكين على الشواذ جنسيا وأنَّ قطر ستلجم أفواههم، وستمنعهم من المجاهرة بنصرة الشواذ جنسيا!! ولم يكتف أصحاب هذه العقدة الفاشية بكل هذه الحركات البهلوانية الحاقدة الحمقاء، بل راحوا يطبلون ويزمرون، ويؤزون أبواقهم الإعلامية بكل وسائلها المختلفة للنيل من قطر، ومن انتماء قطر الإسلامي العروبي، ومن ثقافة قطر الإسلامية العروبية، ومن انحياز قطر السياسي لهمومنا الإسلامية العروبية الفلسطينية!! وهكذا رموا قطر عن قوس واحدة، ومشوا في النميمة ضد قطر باللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والعبرية وحتى العربية في بعض الأحيان!
ثمَّ جاءت لحظات الحقيقة وبدأ هذا الموسم الرياضي العالمي، وتوافدت منتخبات كرة القدم العريقة ذات الاسم العالمي مع الآلاف من مشجعيها إلى قطر، ثم بدأت المباريات على أرض المدرجات الأربعة التي أعدتها قطر، فكانت المفاجأة، وبهت أصحاب هذه العقدة الفاشية، وصدموا من هول ما رأته أعينهم، وباتوا يفركون أعينهم من روعة الإعداد والنظام الذي استعدت له قطر، وإذا بها تتفوق على كل دولة من الدول الحاضنة لأصحاب هذه العقدة الفاشية، نعم تتفوق عليهم جميعا بهذا الاتقان الخاطف للأبصار!
فها هي مدرجاتها الأربعة لم تشهد لها مثيلا كل دول الأرض بما في ذلك الدول الحاضنة لأصحاب هذه العقدة الفاشية، وها هي ترعى نظاما لسير كل المباريات على هذه المدرجات، ولحياة المشجعين في هذه المدرجات وخارجها يزاوج بين تمسك قطر بثقافتها الإسلامية العروبية وعدم فرض سياسة الإكراه الثقافي على كل ضيوفها لاعبين ومشجعين!! فوقفت بحزم للطائرة الألمانية التي أرادت الهبوط في قطر وهي تحمل علم الشواذ جنسيا، لأنَّ الشذوذ الجنسي ثقافة فجور تصادم الثقافة الإسلامية العروبية التي ترفض الشذوذ الجنسي، ومنعت تلك الطائرة الألمانية الهبوط في قطر!! ومن المنطلق ذاته منعت المنتخب الألماني لكرة القدم من وضع شارات على ملابسهم في بداية المباراة، تتماهى مع الشذوذ الجنسي!! فهما ثقافتان، إمَّا الثقافة الإسلامية العروبية وإما ثقافة الفجور!! ولا يمكن الجمع بينهما، لذلك من حق قطر أن تتمسك بثقافتها وأن تمنع ما يصادمها، ومخطئ من يدعي أنَّ ذلك إكراه ثقافي!! وإلا ها هي أمريكا التي لا يزال التمثال الذي أسمته (تمثال الحرية) يقف على قدميه عند ساحل نيويورك، رغم أنَّ أمريكا تمنع حتى الآن قيام أي حزب شيوعي فيها، وتبرر ذلك أنَّ الديمقراطية للديمقراطيين فقط!!
وها هي فرنسا التي لا تزال تستعرض عضلاتها علينا مدعية أنها حاضنة الثورة الفرنسية وقاهرة الباستيل، ها هي لا تزال تحتفظ بجماجم الثوار الجزائريين في متاحفها، ولا تزال تمنع المسلمات الفرنسيات من ارتداء الحجاب بادّعاء أنه يصادم الثقافة الفرنسية، علما أن كل الرسوم والتماثيل التي صنعتها الأيدي الفرنسية للبتول مريم عليها السلام تبرزها وهي ترتدي الحجاب، فهل معنى ذلك أن البتول مريم عليها السلام تصادم الثقافة الفرنسية أم أنَّ المكيال الإستعلائي المقيت النابع من عقدة سيادة الرجل الأبيض هو الذي لا يزال يُوجّه فرنسا؟ الجواب واضح لكل عاقل!! وها هي الكثير من الدول الأوروبية تمنع المسلمين من مواطنيها من بناء المساجد للعبادة، أو من بناء مآذن لهذه المساجد بادّعاء أنَّ هذا البناء يصادم بيئة الثقافة الغربية، مما يضطر الكثير من المسلمين حتى الآن أداء صلواتهم في مرائب السيارات، أو في ملاجئ العمارات السكينة كما كان عليه حال دار الأرقم بن الأرقم في العهد المكي من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم!! ولو أردنا أن ندوّن قائمة سوداء لهذا الاستعلاء الثقافي القائم على عقدة حتمية سيادة الرجل الأبيض لكانت طويلة جدا!! إذن لماذا يحاول بعض السفهاء حرمان قطر من تمسكها بثقافتها الإسلامية العروبية.
2. قطر لم تُفوّت فرصة كأس العالم الذي استضافته على أرضها، حيث انها إلى جانب ذلك استضافت الداعية الإسلامي العالمي (ذاكر نايك) إلى جانب نخبة من الدعاة، حتى يقدّموا لكل الضيوف الصورة الحقيقية للإسلام كما هو، وليس الإسلام المشوه الذي حرصت كثير من الأبواق الدولية الرسمية تقديمه لجماهيرها حتى تبذر فيهم الكراهية للإسلام ورفض الإسلام! فماذا كانت ثمار جهود الداعية (ذاكر نايك) ونخبة هؤلاء الدعاة حتى الآن؟! ما أعلمه أنَّ هناك الآلاف الذين أعلنوا إسلامهم قناعة لا إكراها!! فلنتصور لو أنَّ الإسلام أُعطي فرصة واحدة كي يخاطب العالم، كما هو صافيا بلا تشويه؟ لدخل كل بيت مدر ووبر في الإسلام، وهذا ما سيكون في قادمات الأيام.
3. لفت انتباهي مجموعة فتية فلسطينيين كانوا يرتدون الزي الفلسطيني التراثي مع الكوفية الفلسطينية، وكانوا يستعرضون الدبكة الشعبية الفلسطينية في الهواء الطلق أمام كل وفود كأس العالم في قطر، فماذا كانت النتيجة؟ لقد رأيت بعيني فتية من مختلف الدول العربية يحملون العلم الفلسطيني وأعلام دولهم ويشاركون أولئك الفتية الفلسطينيين أداء تلك الدبكة، وهم يغنون لفلسطين؟ ماذا يعني ذلك؟! إن ذلك يعني بوضوح أنَّ كل الشعوب العربية بدون استثناء مع الحق الفلسطيني، وليست مع التطبيع ومقاولي التطبيع وبطاناتهم المرتزقة.
4. فازت السعودية في مباراتها مع الأرجنتين، وفازت المغرب في مباراتها مع الدنمارك، وكان هناك التعادل الذي أحرزته تونس والمغرب، فماذا كانت النتيجة؟ عمَّت الفرحة كل الجماهير العربية في قطر وخارجها، واعتبرت أن فوز السعودية هو فوزها، وأن فوز المغرب هو فوزها، ممَّا يعني أنًّ وحدة الشعوب لا تزال قائمة، ولم تفككها حدود سايكس بيكو المصطنعة!! ولا تزال كل هذه الشعوب تتمنى أن تجدّد العهد مع حاضنتها الإسلامية العروبية!!
5. حاول مذيع إسرائيلي أن يخدع شابا مصريا، فتظاهر هذا المذيع الإسرائيلي انه مراسل لدولة أخرى، فسأل ذلك الشاب المصري حول كأس العالم في قطر، فكانت المفاجأة أن قال له ذاك الشاب المصري مباشرة: الحرية لفلسطين، بعد أن عرف حقيقة هذا المذيع!!
6. من خلال كأس العالم اختلط كل أهل الأرض بأهل قطر، وبمن حضر من أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني، وتعرفوا عن قرب على الثقافة الإسلامية العروبية، وعلى الحق الفلسطيني، ثمَّ سيعودون إلى بلادهم، وسيحدثون أهلهم وأصحابهم مؤكدين لهم أن الثقافة الإسلامية العروبية هي ثقافة الرحمة والتسامح والصفاء، وأن الحق الفلسطيني منتصر ولن يضيع!!
7. سيعود كل من أعلنوا إسلامهم في قطر إلى دولهم، وسينقلون لذويهم صورة الإسلام الحقيقية الصافية غير المشوهة كما سمعوها مباشرة من الداعية (ذاكر نايك) ومن سائر الدعاة، وسيتحوَّل هؤلاء الذين أعلنوا إسلامهم إلى سفراء للإسلام وسفراء للثقافة الإسلامية العروبية، وسفراء لنهضة قطر العمرانية، وسيتباهون بالصور التي التقطوها في قطر، وآخر ما سيتحدثون عنه هو كرة القدم.