تثير الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال، وآليات توزيع الحقائب الوزارية على تكتل اليمين الفائز والمتطرفين، وما يحدث من إصرار المتطرفين وبالذات ابن غفير وسموتريتش على تولى وزارات ذات علاقة بالاستيطان والأمن الداخلي والمالية والشؤون المدنية للصفة، مع توسيع صلاحيات وزير الأمن القومي، إلى ما يمكن تسميته بالتنازع الداخلي، والتشقق الذاتي، الذي يسبق عادة انهيار الدول من داخلها.
حتى يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومته، ويتجنب الفشل، ويمنع الذهاب لانتخابات سادسة، سلك طريقًا ملغومًا بالحرص على ضم ابن غفير مع إعطائه وزارة الأمن القومي، وتوسيع صلاحيته بإنشاء مليشيا له بحسب وزير الدفاع غانتس، وذلك بمنحه الإشراف على جهاز سلاح الحدود، الذي يخضع عادة لقائد الجيش منذ نشأة دولتهم غصبًا، حيث لم يخضع سلاح الحدود لوزير سياسي قط؟! إذ قد يفرض الوزير رؤيته الحزبية على الجهاز، وعلى المسجد الأقصى، وعلى الضفة، والوسط العربي داخل الخط الأخضر؟!
إن تشكيل الحكومة أهم عند نتنياهو من المبادئ الراسخة في الجيش، إذ دون ابن غفير لا تكون ثمة حكومة بيد نتنياهو، لذا فهو يعطي ابن غفير ما يريد حُبًا أو كرهًا، وأقول حُبًّا لأنني أرى أن ما يطالب به ابن غفير علنا يعمل له نتنياهو دون إعلان، أي إنه ثمة قواسم مشتركة بينهما فيما يتعلق بالمستوطنات والمسجد الأقصى والعلاقة مع عرب الداخل.
قادة الجيش والأركان السابقون متخوفون من تداعيات توزير ابن غفير في وزارة الأمن القومي بصلاحيات الإشراف على مليشيا حرس الحدود، والتعامل مع المسجد الأقصى، ويحذرون من تداعيات ذلك التوزير على العلاقة مع أميركا، ثم مع الأردن، ومصر، والسلطة الفلسطينية، ودول الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك تداعياتها على المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث سيزيد هذا التعيين من حالة التشققات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، فجل مجتمع (إسرائيل) يرى أن ابن غفير متطرف، وأنه من أتباع حركة كهانة الموصوفة أميركيا بالإرهاب، وجلّ المجتمع لا يشاطره آراءه، لذا فالمجتمع ذاهب نحو التنازع والتشقق باضطراد، وهذا من وجهة نظري أمر طبيعي، (فإسرائيل) وصلت إلى قمة استعلائها، ولا يكون بعد القمة علو، بل تكون الحركة إلى الأسفل هبوطًا، أي إلى التشقق والانهيار، قد لا نلمس نحن ذلك بوضوح، ولكن جنرالات الجيش والأركان يلمسونه بأيديهم ويحذرون منه، ويرون في توزير ابن غفير علامة على ذلك. المستقبل بيد ابن غفير، ولا فائدة البتة في المستقبل؟!