اليوم هو التاسع والعشرون من نوفمبر، وهو التاريخ المعتمد للتضامن مع الشعب الفلسطيني عملًا بقرار الجمعية العامة الصادر في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1977، إذ يُحتفَل باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني سنويًّا، وحسب موقع الأمم المتحدة فمن المفترض أن يجري هذا الاحتفال في مقر الأمم المتحدة وفي مكتبَي الأمم المتحدة في جنيف وفيينا وفي مواقع أخرى. ويتضمن هذا الحدث عقد اجتماعات خاصة يُدلي فيها مسؤولون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة وفي منظمات حكومية دولية وممثلون عن المجتمع المدني ببيانات بشأن قضية فلسطين. ويشمل الاحتفال أيضا مناسبات ثقافية. وفي مواقع أخرى، تنظم هيئات حكومية ومنظمات المجتمع المدني، بالتعاون مع مراكز الأمم المتحدة للإعلام، أنشطة متنوعة في مختلف أنحاء العالم. وقد جرت العادة أيضًا أن تُجري الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشتها السنوية بشأن قضية فلسطين في هذا اليوم.
ساعة كتابة هذا المقال كانت تتوارد أخبار على شاشة التلفاز بعضها عاجل يتحدث عن تشييع الشهيدين اللذين ارتقيا أمس وهما الشقيقان جواد وظافر الريماوي، حيث شيعهما طلاب جامعة بيرزيت التي ينتسب إليها الشهيدان، وكانت بلدة بيت أمر في الخليل تُشيِّع شهيدها مفيد اخليل. خبر عاجل آخر بثته شاشة التلفاز عن عملية دهس في رام الله تسفر عن إصابة مجندة إصابة خطِرة واستشهاد منفذ العملية، ثم يعود الشريط الإخباري لدورته الاعتيادية ببث أخبار مباريات المونديال. الشعب الفلسطيني زاوج منذ مدة بعيدة بين المتضادات التي لا تلتقي، فزاوج بين الفرح والحزن والحياة والموت والحرية والحصار والثورة والدولة والبناء والحرب، ولم تكن هذه المزاوجة ترفًا سلوكيًا يتميز به الشعب الفلسطيني قد يشابهه ترف بعض الأشخاص في ممارسة السلوكيات المتضادة وفقًا لنظرية سيجيموند فرويد في تحليل السلوك الإنساني، وإنما قد فرضت هذه المتضادات على الشعب الفلسطيني ليعيش ويتكيف معها كما يعبر عنها محمود درويش، فيقول في إحدى قصائده: "أنا من هناك.. أنا من هنا.. ولست هناك ولست هنا.. لي اسمان يلتقيان ويفترقان".
يغني الشعب الفلسطيني ويفرح على أنغام المونديال، ويقفز فرحًا ويصفق جذلًا حين تنطلق صافرة الحكم بعد التسديد في المرمى، ويغني الشعب الفلسطيني ويهتف للشهداء بعد تسديد القناص من المدى القاتل نحو الهدف في قلب الشهيد.
يدرس الفلسطيني في الجامعة ويرسم ملامح مستقبله الواعد في الحياة، وفي ذاته السياق يقاوم الاحتلال ويركب الخطر ولا يبالي بالاعتقال أو الشهادة، يبني الفلسطيني بيتًا ويدقق بعناية فائقة في تصميم غرفة المعيشة والمكان الأنسب للمطبخ وغرف النوم وما اللون الأنسب للستائر، وفي ذات السياق يُؤوي المطارد ويحفر من أسفل منزله نفقًا ولا يبالي إذا قصف البيت في ليلة مظلمة ليتفتت ويتناثر معه جسده وأجساد عائلته ليصبح البيت وساكنوه أثرًا بعد عين.
يتزوج الفلسطيني ويقيم حفلًا ووليمة ويذهب لتنفيذ عملية عقب انتهاء الحفل قد تسفر عن اعتقاله أو استشهاده، هذه حياة الفلسطيني التي تكيف معها وعاشها وألفها وألفته، قد تبدو غريبة لمن لم يعِش الحياة الفلسطينية وهي غريبة حقًا لكنها قدره الذي يقبله.
يعيش العالم في قطر أجواء المونديال بكل صخبه وألوانه وهتافاته، ويعيش الفلسطيني معهم محاولًا أن يقتبس بعضًا من الفرح يحيا به بعضًا من الساعات التي لا تلبث أن تذوب في قسوة الحصار والاحتلال والظلم.
منذ سبعين عامًا يحيا الشعب الفلسطيني ظلمًا مركبًا، رأسُ الخطيئة فيه احتلال استيطاني بالقوة العسكرية وتخاذل وتواطؤ دولي وإقليمي ساهم في إطالة زمن الظلم، ومنذ سبعين عامًا يعيش الشعب الفلسطيني لحظات الفرح كلما أتيح له أن يفرح، ومن لحظات الفرح هذه صنع حياته التي أثمرت علماء وقادة ومفكرين وثائرين، قابل الفلسطيني سياسة التدمير بإرادة التعمير فبنى مدنه وزرع أرضه وحاصر الموت بالحياة فانتصرت إرادة الحياة على الموت وبقي الشعب الفلسطيني حيًا ينبض قلبه بحب الوطن، وما زال هذا الحب يتهادى فرحًا بالحياة حينًا وحزنًا بالتضحية المشرفة أحيانًا.
سينتهي المونديال قريبًا، وسينفضّ هذا الجمع الرياضي الذي عبر المشاركون فيه إلى جانب شغفهم الكروي عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وكان يوم 29 نوفمبر يومًا من أيام المونديال، ويومًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، سيعود كل زائر لقطر من فرق ومشجعين إلى أوطانهم، وسيبقى الحصار والاحتلال قائمين، وسيسمع الفلسطينيون مزيدًا من عبارات الثناء والمؤازرة كتلك التي سمعوها في مونديال قطر كلما اشتد بطش الاحتلال، وستعود الجموع بعد أربع سنوات مرة أخرى في مونديال جديد وفي بلد آخر، فهل سيبقى الحصار والاحتلال حتى المونديال القادم؟ أجِبنا أيها العالم الحر المتضامن.