بين حين وآخر، يستحضر الإسرائيليون المقولة الشهيرة التي كتبها ديفيد بن غوريون في الخمسينيات، بزعمه أن "دولة إسرائيل الصغيرة لن تستطيع أن تحتمل بداخلها صحراء تتعدى نصف مساحتها، فإذا لم تقضِ الدولة عليها، فقد تقضي الصحراء عليها"، في إشارة إلى صحراء النقب، التي تتعرض في السنوات الأخيرة لمسلسل تهويدي علني لم تعد تخطئه العين، وستكون في المرحلة القادمة عرضة لتصعيد هذا التهويد مع تسلُّم حزب بن غفير وزارة النقب!
مع العلم أن النقب وأهله الفلسطينيين يعيشون واقعا صعبا مريرا، سواء تفشي الجريمة، وتواطؤ شرطة الاحتلال معها، بدليل عدم ملاحقة المجرمين، أو تقديمهم للمحاكمة، بعكس ما هو قائم بين اليهود، وكأن هناك رسالة علنية مفادها أنها معنية بأن يقتل الفلسطينيون بعضهم بعضا، طالما أنهم بعيدون عن اليهود!
وهناك مشاكل الفقر وتدني التعليم وغياب المرافق العامة وتدني مستويات البنى التحتية وأزمة السكن، مع العلم أن أكثر من 90٪ من مشاكل الصراع والعنف والفوضى في مناطق النقب تعود أسبابها إلى المساكن والأراضي ومواقع البناء، والاحتلال يزعم أنه لم يعد هناك مساحة للبناء الفلسطيني، في حين أن الجرافات تستعد لإقامة المزيد من التجمعات الاستيطانية اليهودية، للحفاظ على ما يسمونه التفوق الديموغرافي هناك.
تزعم بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي لعام 2019 أن مستوى الكثافة في المستوطنات البدوية بالنقب من أدنى المستويات في دولة الاحتلال، ويبلغ متوسط عدد سكانها 1,811 نسمة للمتر المربع، وللمقارنة تبلغ الكثافة السكانية في القدس المحتلة 7,186 نسمة للمتر المربع، وفي الوقت ذاته فإن بدو النقب يواجهون مشاكل دعاوى الملكية، إذ تسطو دولة الاحتلال ومؤسساتها القانونية والقضائية على الوثائق التي تثبت ملكية مساحات واسعة من الأراضي، وتمعن في عدم إظهارها تحت ذرائع شتى واهية، رغم أن مئات آلاف الدونمات في النقب هي ملكية شخصية لهم، لكن الاحتلال يزعم أنها أراضي دولة!
هذا السلوك الاحتلالي تجاه أراضي البدو في النقب يعني أنها ملك لجميع الإسرائيليين، وتواصل محاكمه تفنيد أي مطالب فلسطينية بدوية لإثبات ملكية الأرض في أروقتها، وتحاول شراء سكوتهم من خلال بعض الحلول السكنية الترقيعية في أماكن أخرى خارج منطقة سكناهم، في توجه بات واضحا لـ"سلخهم" عن مسقط رأسهم، تمهيدًا لنقلهم إلى مناطق جغرافية أخرى تمهيدًا لإعادة التموضع الديموغرافي في الدولة.
رغم كل ذلك يواصل الفلسطينيون البدو في النقب اعتبار أنفسهم أصحاب الأرض، ويطالبون بوضع أيديهم عليها، ولا يرضون بأي حلول أو رشاوى يقدمها الاحتلال لهم، لأنهم يعلمون أن أي تساهل أو مساومة على حقوقهم تعني تعبيد الطريق أمام تهويد النقب، مرة واحدة، وإلى الأبد، وحينها لن ينفع الندم!