لم يتمكن المونديال رغم "وقوع" ألعابه في منطقتنا وعلى أرضنا العربية هذه المرة، من التغطية على الأحداث الفلسطينية المتلاحقة والساخنة، عمليات وقتلى في القدس واقتحامات وشهداء في جنين ونابلس وتصاعد نوعي في الفعل الميداني المقاوم، فيما يبدو أنه رد فعل على الخطاب العنصري الفاشي الطاغي في حكومة نتنياهو السادسة التي تهيمن عليها الصهيونية الدينية.
فبعد أن كان النقاش داخل المجتمع الإسرائيلي يتمحور حول الانفصال عن الفلسطينيين من خلال اتفاق "سلام"/ استسلام أو انفصال أحادي الجانب، الذي ميز فترة انقسام هذا المجتمع بين معسكري العمل والليكود، تحول اليوم إلى انقسام ونقاش حول من الأكثر قدرة على حكم الفلسطينيين على جانبي "الخط الأخضر" وتمرير مخططات الاقتلاع وهدم البيوت ومصادرة الأرض وزرعها بالمستوطنات وتنفيذ سياسة القمع والحصار وإذلال السكان وفرض ولاية "السيد اليهودي" عليهم.
وبدون شك، فإن مطلب سموتريتش بتولي حقيبة الأمن (الذي حال دون تحقيقه معارضة دولية ومحلية) ومطلب بن غفير الذي سيتولى حقيبة الأمن الداخلي، يعكس رغبة مشتركة في "حكم" الفلسطينيين خارج وداخل "الخط الأخضر" بواسطة السيطرة وتفعيل وتعزيز أدوات القوة الرسمية المتمثلة بقوات الجيش والشرطة، والتلويح بعصا القمع فوق رؤوسهم.
وبعد أن فشل سموتريتش في الحصول على حقيبة الأمن يحاول بنجاح، على ما يبدو، إخراج ملف "الإدارة المدنية" منها وضمه إلى إحدى الوزارات التي ستشغلها الصهيونية الدينية، على الأرجح أن تكون وزارة المالية التي سيتولاها هو، وذلك لتحقيق هدفه في حكم الفلسطينيين في الضفة الغربية والتحكم في تفاصيل حياتهم واستباحة أرضهم، علمًا بأن "الإدارة المدنية" التي أسستها (إسرائيل) عام 1981 لتخلف الحكم العسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة، هي من يدير سياسات الاحتلال تجاه شؤون السكان الفلسطينيين في كل الضفة الغربية وبشكل خاص في المناطق (ج) التي يسعى تيار الصهيونية الدينية إلى تمرير مخططاته الاستيطانية والسياسية فيها.
ويبدو أن ملف "الإدارة المدنية"، الذي يتوقع أن يحصل عليه، هو ما أراده سموتريتش من حقيبة الأمن، لأن بقية الملفات المتعلقة بالحرب والعسكر والأسلحة التقليدية وغير التقليدية هي مسائل لا تعني له شيئا وهو الذي لم يؤدِّ الخدمة العسكرية أصلًا.
وإذا كان سموتريتش يسعى لحكم الضفة الغربية والمناطق (ج) بشكل خاص بواسطة السيطرة على ملف "الإدارة المدنية"، فإن بن غفير يسعى إلى حكم الجليل والنقب بواسطة حقيبة "الأمن الداخلي" الموسعة، التي سيحصل من خلالها الوزير على صلاحيات واسعة بعد اقتطاع مهام تنفيذية من وظيفة المفتش العام للشرطة، وذلك تحت ستار غياب الحكومة وإعادة السيطرة لهذه المناطق العربية التي سبق لنتنياهو أن وصفها بأنها دولة في قلب "الدولة".
ومن هذا الباب، فإن نتنياهو على استعداد لإعطاء هذه الحقائب لبن غفير وسموتريتش راضيا مرضيا، لأنهما يمرران سياسته المتعلقة بالفلسطينيين في هذه المناطق، وبسط ما تسمى "السيادة" الإسرائيلية على فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، وإن كان مؤسس الصهيونية الدينية، الراف كوك، قد اعتقد في حينه أن الصهاينة العلمانيين هم "أداة الربّ" لتحقيق "الخلاص" وتقريب مجيء "المخلص" من خلال تجديد الاستيطان في "أرض" (إسرائيل)، مدعيا أن أفعال هؤلاء العلمانيين موجّهة من الرب، رغم عدم معرفتهم بذلك، فإن نتنياهو يعتقد أن هؤلاء الصهاينة المتدينين اليوم، هم أداة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في مرحلته الثانية واستكماله وبسط هيمنته على كل فلسطين.
إلا أن ما يغيظ نتنياهو، ربما، هو طمع سموتريتش وبن غفير الذي عبر عنه ياريف ليفين بقوله إن "الصهيونية الدينية" تريد تفكيك الوزارات و"الاستيلاء على نصف الحكومة"، كاشفا عن مطالبة سموتريتش بصلاحيات حصرية في وزارة الخارجية، لإدارة جهود الحكومة الإسرائيلية في محاربة حركات المقاطعة ونزع الشرعية عن (إسرائيل)، وبصلاحيات واسعة في معاهد التعليم التوراتي والجهة المسؤولة عن التهويد التي تتبع مكتب رئيس الحكومة، إضافة إلى رئاسة أربع لجان في الكنيست من أصل 11 تابعة للائتلاف.
ويبدو أن هذا الطموح المبالغ فيه عند سموتريتش وبن غفير يتجاوز طموح بينيت وشاكيد، اللذين شكلا نسخة مطورة من هذا التيار وكان لطموحهما ولنتنياهو أيضا دور حاسم في إخراجهما من الحياة السياسية.