حين شعرت دول الاستعمار الغربي في العصر الحديث (بريطانيا وفرنسا) على وجه التحديد أنه لا يمكن لها استبقاء استعمارها لبلاد وشعوب تطالب بالحرية وتقرير المصير قررت الانسحاب العسكري من مستعمراتها، وترك البلاد المستعمرة لحكومات وطنية تدير شؤونها.
نعم، لم يكن الرحيل عن المستعمرات خالصا مائة في المائة، حيث استبقت بريطانيا وفرنسا نفوذا جيدا لها في هذه المستعمرات من خلال الحكومات الوطنية، والمصالح الاقتصادية.
المهم أن المستعمر أخذ درسا وعبرة من مقاومة الشعوب له بضرورة الرحيل، واستبدال النفوذ العسكري بنفوذ آخر ناعم، وممتد لسنوات طويلة، تحت مسمى الحاجة للتعاون المشترك.
انتهت حقبة الاستعمار العسكري، ولكن فكرة الاستعمار ما زالت باقية بأدوات أخرى. إن فكرة الاستعمار العسكري لم تنتهِ في بلادنا فلسطين فكرة، بل ما زالت (إسرائيل) تعمق احتلالها من خلال الاستيطان، والتهويد، وقمع مطالب الحرية وتقرير المصير، وبهذا يمكن القول إن الاستعمار الصهيوني الاستيطاني لفلسطين هو آخر استعمار باقٍ في الكرة الأرضية، لذا هو مصدر قلق، وصاعق تفجير في منطقتنا العربية.
الاستعمار الصهيوني عسكري استيطاني، وعنصري إحلالي، يقوم على سلب الأراضي الفلسطينية من أصحابها، وطرد سكانها، وإجبارهم على الهجرة. هذا النوع من الاستعمار لا يوجد في غير الأراضي الفلسطينية، ولا يكاد المجتمع الدولي، ولا الأمم المتحدة قادرين على إيجاد حلّ لهذا الاستعمار العنيف، لأن الاستعمار الإسرائيلي يرفض استخلاص العبر والدروس، ولا سيما تلك التي استخلصتها فرنسا وبريطانيا.
إن لوم دولة الاحتلال الضحية على مقاومتها ومطالبتها بحقوقها لا يحقق لها ما تريد، فالوطنية الفلسطينية تسكن قلوب كل الأجيال الفلسطينية، وسيبقى الفلسطيني على الرغم من ضعفه يطالب بالحرية وتقرير المصير، ويعمل لذلك بكل الأدوات الممكنة ليصل لحقوقه الوطنية، والحلّ هو في استخلاص العبر والدروس التي استخلصها الاستعمار البريطاني والفرنسي، والاعتراف بحق الفلسطيني في تقرير مصيره.