فرحة ما تمت، فرحة انتهت بكارثة، أمر مؤلم، ولكنه قدر الله ولا رادَّ لقدر الله. عائلة آل أبو ريا في تل الزعتر في جباليا أرادت أن تفرح بمناسبة سعيدة، وعادة ما تكون المناسبات السعيدة قليلة في سجل حياة اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة سكان غزة المحاصرة منذ عقد ونصف.
الأسرة الكريمة جمعت أفرادها وأنسباءها لكي تفرح وتسعد بدرجة الدكتوراة التي حازها ولدها بعد رحلة طويلة من طلب العلم ومكابدة مشاقه الفكرية والمادية، ولكن الفرح تحول إلى كارثة بحريق نادر الحدوث بهذا الحجم فالتهمت النيران جميع من كانوا في المكان وعددهم بحسب تصريحات المشفى واحد وعشرون فردا، بعضهم أطفال، وبعضهم نساء، إضافة إلى الرجال، وبينهم المحتفى به الذي لم تكتمل له فرحة الشهادة، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته، وألهم أقاربهم الصبر والسلوان، وإن لله وإن إليه راجعون ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وعظم الله أجرهم وأجر شعبنا المكلوم.
الناس يتحدثون متألمين مما أصاب العائلة الكريمة، فهو مصاب جلل ولا شك، يتحدثون عن أسباب وقوع الحريق الهائل، فينسبونه لتسرب غاز، وآخرون لوجود بنزين مخزن، وقيل زيت زيتون، وخلاف ذلك، وينسون أن السبب الكبير والعميق يكمن في (إسرائيل) وما تفرضه على غزة من حصار عمره الآن ما يزيد على عقد ونصف، وخلق الحصار أخلاقًا ترتبط بالتخزين بسبب القلق على توفر دائم لمستلزمات البيت والحياة اليومية.
السكان في غزة مضطرون أحيانا لتخزين بعض السلع قابلة للاشتعال، وفي كل بيت ثمة أنابيب غاز زائدة عن الحاجة لمعالجة فترات انقطاع غاز الطهي، وهذه المستلزمات الزائدة تعدّ مواد خطرة، ومصدر الحرائق التي تصيب البيوت، والمخابز والمحال التجارية.
كارثة النصيرات قبل بضعة أعوام في (مخبز البنا) كانت نتيجة للغاز، وحين سؤال صاحب المخزن عن سبب وجود الغاز بهذه الكمية الزائدة عن الاستهلاك اليومي، أجاب بسبب الحصار، وانقطاع إمدادات الغاز فترات متقطعة ومتتالية. وحريق جباليا هو نتيجة مباشرة للغاز المنزلي، فإلى متى سيدفع الأطفال والنساء حياتهم ثمنًا لهذا الحصار الإسرائيلي الخانق؟!
لماذا يعجز المجتمع الدولي عن استخلاص العبر من حريق النصيرات، وحريق جباليا، ويضغط على دولة الاحتلال لرفع حصارها عن غزة؟! هل المجتمع الدولي موافق على إحراق غزة؟! الحصار هو من أحرق عائلة أبو ريا، وهو الذي أحرق ضحايا النصيرات؟!
يجدر بالدبلوماسية الفلسطينية أن تقدم الحريقين كوثيقتين من الميدان على جرائم الحصار ومسؤولية (إسرائيل) عنهما؟! ويرتبط بهذا أن (إسرائيل) تمنع إدخال مستلزمات الإطفاء والدفاع المدني الحديثة وهو ما يجعل الدفاع المدني عاجزا عن تقديم خدمات جيدة للمواطنين في الكوارث. إنه بمكنة لجنة تقصي حقائق أن تكشف عن ذلك وأن تضع النقاط على الحروف. إن غزة في حاجة ماسة لتحديث مستلزمات الدفاع المدني، وعلى المجتمع الدولي مساعدة غزة.