لطالما كان المتطرفون في اعتناق الأفكار أو إكراه الناس على اعتناقها نمطًا خطيرًا من الكائنات البشرية، التي يسهل استدراجها من مدخل التشدد، فكل ما تحتاج إليه لاختراق هذه الكائنات هو أن تُظهر لها قدرًا أكبر من التشدد لتكون على رأسه، ويكون تحت أمركَ، وفي داخل هذا التشدد الذي هو كالجدران القاسية العالية تجد فراغًا كبيرًا يملؤه الغرور الطاغي على النفس المنفوخة، أو يملؤه الجهل العميق المتعلق بنص مخصوص أو تجربة تاريخية لها ظروفها، بلا قدرة على النقاش، أو تبيين سبب تعميم الفهم لفحوى النص الخاص أو التجربة المظروفة بزمانها، لاسيما مع وجود نصوص أخرى وتجارب أخرى تقيد النص فتوضح مساراته المتاحة للتنزيل.
إن التطرف والتعصّب المغلق لفكرةٍ ما هو معتقَد سهل الاعتناق وسهل الدفاع بإعلان الرفض وحسم المواقف، لاسيما مع نقص العلم الحاد في حامليه، وهذا التطرف سريع التدمير وسريع الاشتعال، وأول ما ينفجر فإن انفجاره يبدأ بصاحبه ثم أقرب الناس إليه، إذا حاولوا التدخل لتعديل مساره أو محاولة علاج تورّماته، ودائمًا ما يبدأ هؤلاء بتخليص محيطهم ممن يسمونهم المنافقين فيدخلون معارك خاسرة مع المجتمع الذي يعيشون فيه.
هم بضع عشرات في قطاع غزة اليوم، لكن وجودهم على قلّته غير المؤثرة هو بمنزلة بوق تحريضي يؤلب على قطاع غزة وأهلها، يستدعي كل أشرار العالم ويجذبهم إلى تشديد النظر إليها، ما يتطلّب إجراءات حاسمة وسريعة لخنق مسارات ظهورهم وتحديد نقاط وجودهم في الخريطة السكانية وسبب ظهورهم فيها، وتتبّع الإشارات الصهيونية وراءها دائمًا في الحالة الفلسطينية، دون إغفال الحضور الاستخباريّ الفلسطينيّ والعربيّ المعادي للفعل المقاوِم للاحتلال.
ويبدو أن محاولات ترويض هذه المجموعات الصغيرة بالمعالجات الفكرية لا تنجح دائمًا، إذا وصلت أفكارهم إلى مرحلة القلعة، وهي اكتمال التحصينات النفسية التي تمنع اختراق فكرهم، فلذلك يلجؤون إلى التدمير الذاتيّ، إذا شعروا بالتهديد لحماية القلعة من الاختراق أو فتح ثغرة.
كنا نقول _وما زلنا_: إن التطرف هو عنوانٌ للحمق الشديد أو الغرور الطاغي أو العمالة العميقة، وربما يحتاج الأمر إلى أكثر من الردع الأمني لمواجهته بتوعية الأهالي رصد حالة أبنائهم وتخصيص مسار علاجيّ مبكر للحوار معهم، قبل استفحال مرضهم، وإعلام الجمهور بخط العلاج الساخن.