قلنا في مقالات سابقة إن الانتفاضة الثالثة قائمة، وتمارس أنشطتها في مدن الضفة وقراها، وتتلقى دعما شعبيا واسع النطاق. الانتفاضة كما نراها تتميز عن الانتفاضة الثانية وعن الأولى أيضا، حيث بدأت الأولى والثانية بأنشطة شعبية واسعة النطاق ضد الاحتلال، فأخذت من الحركة الشعبية العامة صبغة الانتفاضة الشعبية.
في حين نجد أن الانتفاضة الثالثة تقوم على أعمال فردية قوية ضد الاحتلال والاستيطان، وتتنقل بين المدن والقرى الفلسطينية، وتكبد المحتل خسائر مهمة تبعث القلق في (تل أبيب) وفي قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وفي الوقت نفسه تلقى هذه الأعمال تأييدا شعبيا واسعا في داخل فلسطين المحتلة وخارجها.
يبدو لي أن الانتفاضة الثالثة قد سلكت هذا الأسلوب الفردي القوي القائم على حب الشهادة تفاديا لحالة التنسيق الأمني الذي يعمل على منع الأعمال الجماهيرية واسعة النطاق.
ما أود قوله إن واقع الميدان في الضفة فرض على الانتفاضة الثالثة هذا الطريق وهذا المسلك. الفدائي الفرد المسلح بالوعي والإيمان يقتحم ميدان العمل متفاديا التنسيق الأمني، ويضرب المستوطنين ضربة موجعة، ويقدم نموذجا لغيره، ويتلقى دعما شعبيا يبارك له تضحيته، ويجعله في سجل البطولة.
منذ أشهر خلت وحركة الانتفاضة الثالثة بمفهومنا الجديد لها تبعث قلقا متزايدا في لقاءات قادة الجيش والأركان، وكذا الحكومة، لذا تسمعهم يتحدثون عن خلل ما عندهم، وعن ثغرة أمنية ما كان يجب أن تكون، وآخر مظاهر الخلل عندهم كان سؤال: كيف لمحمد مراد صوف ابن الثامنة عشرة من العمر أن يقاتل لمدة عشرين دقيقة بسلاح أبيض في أماكن ثلاثة، ويقتل ثلاثة، ويجرح اثنين، ثم يقتله جندي تواجد في المكان قدرا؟!
قادة الجيش يشعرون بهزيمة في الخطط والوعي، وفي التزام حرس المستوطنات بالتعليمات، وفي تطبيق التدريبات. هذا ووسائل الإعلام العبرية تزيد الجرح عمقا وترش عليه ملحًا وهي تتتبَّع خيوط الفشل.
إن من أهم منجزات الانتفاضة الثالثة -إن صحت تسمية الأعمال الأخيرة انتفاضة- قدرتها على إرباك العدو وقادته، وكشفها هشاشة خططه، وضعف أداء جنده، ومن ثمة يمكن القول: إن الاستيطان والاستيلاء على أراضي المواطنين يجب أن يتوقفا. الاستيطان يولد الانتفاضات، وليس للمواطن الفلسطيني طريق بديل، بعد فشل تجربة عباس ومن معه.