ثمة تناقض بين فكرة يوم الاستقلال في ١٥/١١/ ١٩٨٨م، وبين فكرة اتفاقية أوسلو الموقعة في ١٣/٩/١٩٩٣م. وجه التناقض أن الاستقلال يعني قيام دولة فلسطينية مستقلة خالية من الاحتلال على أراضي عام ١٩٦٧م، واتفاقية أوسلو التي جاءت بعد خمس سنوات من إعلان الاستقلال لم تأتِ بدولة فلسطينية، لأن المفاوض الفلسطيني (وهو الذي أعلن الاستقلال) لم يفاوض (إسرائيل) على قيام دولة فلسطينية مستقلة، وإنما فاوضها على قيام سلطة حكم فلسطيني، والفارق بين الدولة وسلطة الحكم كالفارق بين السماء والأرض.
لو فاوض الفلسطيني على دولة فلسطينية لتكاملت الخطوتان معا، أعني لكان أوسلو استكمالا لفكرة الاستقلال، ولكن لم يحدث هذا، لأن إعلان الاستقلال كان موجهًا للرأي العام الفلسطيني، ومهدا لمشروع المفاوضات وأوسلو، ولقاء الأطراف في أوسلو لم يكن على مشروع الدولة، بل على مشروع سلطة حكم، لذا لم تقم الدولة الفلسطينية حتى بعد ثلاثة عقود من اتفاقية أوسلو، وليس من المنتظر أن تقوم لأن الطرف الإسرائيلي يرفض الدولة الفلسطينية، وأميركا ودول أوربا تؤيد الموقف الإسرائيلي، وترفض حتى مجرد حصول فلسطين على دولة مراقب، ونحن للأسف الشديد لم نفاوض على دولة.
قد يحسب بعضنا أن فشلنا في الدولة هو لتآمر أميركا ودول الغرب مع (إسرائيل) ضدنا، وهذا أمر لا ننكره، وهو السبب الخارجي ، ولكن السبب الداخلي وهو الأهم يكمن في فشل منظمة التحرير في ترجمة إعلان الاستقلال لدولة من خلال التفاوض على دولة، ويمكن القول إن إعلان الاستقلال كان للاستهلاك المحلي، وأمور أخرى تمهد للمفاوضات، ولم يكن الإعلان لذاته، لذا لم نجد له ترجمة في أوسلو، ولا نجد له ترجمة على أرض الواقع في الضفة والقدس وغزة، فهذه المناطق لا تزال محتلة، والمؤسف أن من يحتفل بعيد الاستقلال ويجعله يوم إجازة وطنية، هو من احتفل أمس القريب بتصويت الأمم المتحدة على طلب فلسطين الحصول على استشارة محكمة لاهاي عن ماهية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أي نحن نعيش النقيضين معا باسم الوطنية الذكية.
الواقع يقول ثمة وطنية متذاكية، وليست ثمة وطنية ذكية، فالفلسطيني تنازل بإرادته عن مفاوضات الدول، رغم قرار الاستقلال، وفاوض على سلطة، ويزعم أنه سيحول السلطة لدولة، ولكن زعمه يبقى كالاستقلال ورقيًّا، لأن (إسرائيل) لن تعطيه الدولة، وقد رفضتها في أوسلو ابتداء، لذا علينا أن نلتفت لعيوبنا، قبل أن نشجب عيوب الآخرين، حتى ولو كانوا أميركا والغرب و(إسرائيل).