بدايةً أستهل حديثي عن الشهيد الرمز ياسر عرفات (أبو عمار)، بذكر سيرته الذاتية النضالية، وباختصار، كان رحمه الله رجلًا عسكريًا مناضلًا شريفًا، كرس معظم أوقاته في البداية لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالبًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فكان زعيم حركة فتح، والتي أسسها عام 1959 في الكويت، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية بعد أحمد الشقيري، وكان رئيس السلطة الفلسطينية بعد توقيع منظمة التحرير مع الاحتلال اتفاق أوسلو في عام 1993 بعد نبذ الأولى “الكفاح المسلح” واعترافها بوجود (إسرائيل)، وقد نجحت الأخيرة في استدراجه بهدف إيقاف الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في عام 1987، وقد شرع عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية في آخر فترات حياته في سلسلة من المفاوضات مع الاحتلال ووقع عدة اتفاقيات على أساس الحصول على دولة فلسطينية في عام 1999 وقد حيدت القضايا الجوهرية على رأسها القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، رغم ذلك باءت بالفشل، وقد فجر الوضع برمته واندلعت انتفاضة ثانية (انتفاضة الأقصى).
وتوفي ياسر عرفات في 75 من عمره في مشفى باريس العسكري بتاريخ 11 نوفمبر 2004 بعد فترة من الحصار الإسرائيلي له في مقر المقاطعة برام الله، وقد دخل في غيبوبة، ولا يعرف سبب الوفاة على التحديد، وقد قال الأطباء أن سبب الوفاة هو تليف الكبد، ولكن لم يتم تشريح الجثة، وفي وقت لاحق سرب المختصون وثائق تؤكد قتله مسمومًا بمادة البولونيوم المشعة، فيما شكلت السلطة الفلسطينية لجنة تحقيق بعد مرور ست سنوات على قتله.
السؤال الذي يجول بخاطر كل فلسطيني، من قتل عرفات؟ لطالما أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت سبق لمعرفة المجرم/المجرمين، لأن هذا الرجل مات مغدورًا، وأنه لا يمثل حركة فتح فقط بل كان رمزًا للقضية ويخص كل فلسطيني شريف، مهما كانت اتجاهاته وانتماءاته وميوله السياسية والحزبية والفكرية، فإن عرفات بالنسبة لهم رجل مناضل وشهيد من أجل الحرية. وكالة (شهاب) للأنباء، تقول إنها حصلت قبل أيام، على نسخ موثقة من محاضر التحقيق مع شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية في ملف اغتيال عرفات، حيث تكشف الوثائق، تفاصيل ما تحدثت به قيادات من السلطة وحركة فتح للجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر 2010. وكان الطيراوي، قد أصدر بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بيانًا أكد فيه أن وثائق تحقيق تتعلق بوفاة عرفات "تمت قرصنتها وتسريبها"، لقول الطيراوي إن تلك الوثائق "سرية لضمان سلامة سير التحقيق، إلى حين الوصول إلى الحقيقة الكاملة" المتعلقة بأسباب وفاة عرفات.
وبالرجوع إلى سؤالنا، فإن الإجابة عنه أمر بديهي، لحل هذا اللغز، لفض الجدل المحتدم في قضية الشهيد عرفات، فكما يقول المثل: إذا عرف السبب بطل العجب. فلنأخذ على محمل الجد كلام صديقه الودود محمود عباس (أبو مازن)، بغض النظر عمّا يقال عن ثم وجود خلافات في وجهات النظر بينهما في مسألة المقاومة للاحتلال، المهم أنه حين أعلن في مثل هذه الأيام، بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 خلال مهرجان أقيم في "المقاطعة" برام الله إحياء للذكرى الـ12 لرحيل "أبو عمار" (بحسب وكالة شهاب)، بأنه على علم بهوية الشخص المسؤول عن قتل عرفات، وتعهد أيضا بالكشف عن نتائج التحقيق في أقرب وقت. وقال عباس في تلك الكلمة: "لو سألتموني من؟ فأنا أعرف من، ولكن لا تكفي شهادتي، لا بد للجنة أن تصل لكل التفاصيل، وفي أقرب فرصة سيُعلن، وستُدهشون من النتيجة وسيكشف الفاعلون".
هذا كلام جميل إن صدقت النوايا والكل راهن عليه لمعرفة الجناة، لكن مرّت ست سنوات على كلام عباس، ولم يوفِّ بوعده بإعلان نتائج التحقيق في جريمة مقتل الشهيد عرفات، إذ طلّ مُجددًا وألقى كلمة خلال مهرجان إحياء الذكرى الـ18 لرحيله الذي أقيم في مدينة غزة، وتجاهل التسريبات الأخيرة وهوية القاتل، الذي قال إنه يعرفه، فبدلًا من استغلال مناسبة الذكرى بحل هذا “اللغز المحير”، تطرق بالحديث عن حل “ألغاز” أخرى “أكثر حيرة” ربما عنده هي الأهم، بذكره معاناة أهالي قطاع غزة التي فاقمتها "عقوباته" المفروضة عليهم.