عقد السبت الماضي المؤتمر الشعبي (14 مليون) الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة، وغزة، والداخل) وكل أماكن وجود الشعب الفلسطيني في الشتات بالمشاركة من خلال وسائل التواصل المتاحة، ولعل أهم ما دعا إليه المؤتمر هو إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني وحاضنًا أمينًا على المشروع الوطني الفلسطيني المستند إلى الميثاق الوطني الفلسطيني لسنة 1968، والعمل على بناء وتطوير وتفعيل منظمة التحرير، على أسس وطنية، وخلق كتلة شعبية ضاغطة للدفع باتجاه تغيير واقع القيادة الفلسطينية نهجًا وشكلًا لتكون قائدة لكفاحه الوطني، وأعضاء المجلس الوطني المنتخبون في الضفة الغربية وقطاع غزة مجلسًا يتولى مهمة الرقابة والتشريع، ونقل الوظيفة السياسية للمنظمة.
المؤتمر الشعبي لم يأتِ بجديد، فكل ما خرج به من توصيات لا تتجاوز سقف مطالب عموم الشعب الفلسطيني، على رأسها إصلاح منظمة التحرير، التي جردت من كل صلاحياتها وتم إفراغها من مضمونها الأساسي التي تأسست من أجله، منذ إنشاء السلطة بعد تطويعها من قبل التنفيذية لتوقيع اتفاق أوسلو سيئ السمعة في عام 1993، وأصبحت السلطة بديلًا عنها، بعد أن استولت على القرار الفلسطيني والتفرد بالحكم، بهدف إضعاف المنظمة وتهميشها وإفشالها، كي تصبح منظمة باطلة عن العمل.
هذا المؤتمر، الذي حاربته السلطة واعتقلت مؤسسه، لم يكن بديلا عن منظمة التحرير تلك التهمة التي ألصقت له، جاء يعبر عن حالة الاستياء لدى الشعب الفلسطيني من حالة الترهل التي أصابت منظمة التحرير وبقية مؤسسات الوطن، صحيح أن ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر، هو تكرار للمطالب الفلسطينية في كل مؤتمر وحوار ومفاوضات ولا سيما كان آخرها إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية مؤخرا، الذي ركز على ضرورة إصلاح منظمة التحرير وتفعيل دورها، لكن جوهر المؤتمر كان يعبر عن الأسئلة التي تخطر ببال كل فلسطيني، وهي كالاتي: ماذا حققت السلطة للقضية الفلسطينية على مدار الثلاثة عقود من عمرها من خلال المفاوضات والتنسيق والتعاون الأمني؟ فلا قربت السلطة الشعب الفلسطيني من تحقيق حقوقه بالعودة والدولة، وإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان، والتهجير، ورفع الحصار؟ هل تعمل السلطة بموجب الدستور الفلسطيني بما يتعلق الأمر بالفصل بين السلطات الثلاثة، أم أن السلطة التنفيذية المهيمنة على المجالس والمنظمة والحكومة؟ هل تجري السلطة الانتخابات في موعدها المحدد، وهل حققت على الصعيد الفلسطيني الداخلي الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام؟
أما من ناحية الأهمية، فقد جاء عقد هذا المؤتمر الشعبي في هذا التوقيت لما يواجهه الشعب الفلسطيني، في هذه الأيام من تصعيد متواصل من قبل الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأيضا لمواجهة المهام الصعبة التي تواجهه المتمثلة في إعادة تصور مستقبله ورسم مساره نحو الوحدة وإنهاء الانقسام، والإيمان بمبدأ المشاركة وليس المحاصصة، وإصلاح المؤسسات على أسس ديمقراطية والتمثيل الشمولي في منظمة التحرير والمجلس الوطني، من أجل إنقاذ المشروع الوطني التحرري، ولا يتم هذا إلا من خلال توحيد القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية وإشراك كل القوى السياسية والعمل الوطني والإسلامي الفاعلة عبر إجراء انتخابات للمجلس الوطني، والذي يقوم بدوره بانتخاب مجلس مركزي ولجنة تنفيذية للمنظمة، ويضع الاستراتيجية الكفيلة بالحفاظ على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني النضالي حتى بلوغ أهدافه بالتحرير والعودة.