ترتكز دعاية الاحتلال على أن العمليات الفدائية ما هي إلا عمل تخريبي يقوم به إرهابيون يعانون الفقر والأحوال المعيشية الصعبة، وكنتيجة طبيعية لحالة الفشل في النموّ والازدهار الاقتصادي يقوم بعض الأفراد من الفئات المهمّشة بمثل هذه العمليات. وهم بذلك ينكرون وجود قومية فلسطينية وشعب له كرامة وحقوق ومن حقه كبقية شعوب الأرض أن يكون لهم سيادة ووطن ومكان تقوم عليه دولتهم، ومع ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة تعزّزت هذه الصورة وأصبح النظر من منظار الرؤية المتطرفة جدًّا لا يجعل هذه الأحزاب التي ستتشكّل منها الحكومة القادمة قادرة على رؤية أيّ كيان فلسطيني مهما كان شكله، لا ينبغي للفلسطيني إلا أن يكون عاملا رخيصا على هامش حياتهم العظيمة! ويجب ألا يكون لهم أي شيء يعبّر عن أن هناك شعبا فلسطينيا مستقلا يحمل هويّة وطنية وله علم مستقل وله السيادة على أرضه وثروات بلاده.
عامر حسام بدر مثال أخير على عكس هذه المقولات التافهة، فهو من عائلة ذات سبق علمي فريد ويكفي أن أدلّل على أبيه كطبيب أعصاب يكاد يكون الأوّل على تخصصه في فلسطين والمنطقة بأسرها، ويعيش حسام في بيت مرفّه ويدرس في جامعة بيرزيت هندسة، شاب ناجح ومتفوّق ومن أسرة في قمّة النجاح والرفاء الاجتماع والمادي، فما الذي دفعه ليقوم بهذه العملية الجريئة ويضحّي بكل ما يحيط به من كلّ أشكال السعادة الدنيوية والمادّية؟
هذا يبطل نظرياتهم ويبطل كل ما يسقطونه على الفلسطيني من تلافيف عقولهم المريضة، هذا الشاب الشجاع والجريء لا ينشد تحسين أوضاعه المعيشية ولا يريد حياة غنيّة ماديّا ولكنها منقوصة الكرامة والعزّة مسلوبة الحريّة، هذا الشاب لا يعيش في حدود ذاته الضيقة فيمتّعها بكلّ ملذّات الحياة بينما شعبه يكتوي بنار الاحتلال بكلّ ما يحمل من قهر وظلم وغطرسة، لقد تجرّد عن هذه الحدود الذاتيّة الضيقة وحمل هموم القضيّة، حمل أوجاع شعبه وآلام المستضعفين ورأى بنفسه أن له فعلا وله دورا وله انتماء صادقا لشعبه ولقضيته.
عامر بدر أسقط كل نظرياتهم التافهة عن هذا الشعب الفلسطيني وفضح كلّ سياساتهم العنصرية البغيضة، عامر انطلق من عمق الهوية الوطنية الفلسطينية وارتقى في حمل مضامينها العظيمة، حمل المظلومية العالية التي وقعت على كاهل شعبه، وبوعي تام استعد أن يبذل روحه وأن ينزف كل قطرة من دمائه ليظهر طهر القضية ورجس ذاك الاحتلال العفن، بدماء عامر وبقيّة شهداء هذه المرحلة يتبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض الفاصل بين فجر الحرية وظلمات الاحتلال، بهذا الفداء العظيم وهذه التضحية العالية تنكشف المسافة بين الحق والباطل، خط فاصل لا لبس فيه تنيره دماء الشهداء، لقد قال بهذا الفداء الكثير، كشف الزيف وأزال اللبس وحدّد معالم الطريق، لقد ارتقى عاليا في دنيانا قبل أن يرتقي عند ربّه، ارتقى بروحه الفذّة وهذه القناعات العظيمة التي أرست قواعدها في قلبه قبل أن ينطلق للتعبير عنها بهذا الفعل العظيم، أفعال شهدائنا في هذه المرحلة الصعبة منارات على طريق التحرير القادم بإذن الله، لا تخبو أبدا بل تمدّ بنورها قلوب الأحرار وتصعق بنارها أرواح الأشرار.