في اليوم الذي سبق استشهاده كانت حكاية الشهيد حبّاس ريان على الحاجز ذاته الذي شهد عمليته البطولية.
بدأت التفاصيل عند الساعة الرابعة عصر الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، حينما احتجزه جنود الاحتلال على حاجز بيت عور الواقع غرب مدينة رام الله لمدة تزيد على أربع ساعات دون تمكنه من إبلاغ عائلته، الأمر الذي زاد من قلق أفراد أسرته، حسبما روى شقيقه مسعود لصحيفة "فلسطين".
لم تكن تلك العملية حدثًا "عابرًا" لابن بلدة بيت دقوا إلى الغرب من مدينة القدس المحتلة، فقد عشق الوطن وترعرع وسط عائلة محبة للجهاد ولها نصيب منه.
يربط حاجز بيت عور بين مدينة القدس ومدن حيفا ويافا الساحلية الواقعة في الداخل المحتل، حيث دأب الاحتلال على تطويره وزيادة حجمه، وإيذاء الفلسطينيين طويلًا عليه.
واعتاد حبّاس (54 عاما) الذي يشغل إمام مسجد قريته، المرورَ بالحاجز والوقوف عليه طويلًا، كما اعتاد حض الناس على مقاومة الاحتلال عبر المنابر وخُطب أيام الجمعة، فكان يدعو دائماً إلى الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن والمسجد الأقصى المبارك، "لذلك لم تكن العملية حدثًا غريبا في حياته"، يقول مسعود.
ويتابع: "أخي لا يحتمل الإساءة، وهو غاضب أساسًا من جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، لذلك انطلق لتنفيذ عملية دهس وطعن، دفاعاً عن القدس وأبناء شعبه، وإيماناً منه بحب الجهاد وقيمته العالية عند الله".
ويضيف مسعود: "شقيقي أراد من خلال العملية البطولية التي نفذها، توجيه رسالة للاحتلال الذي يحاول تحييد الضفة عن الصراع، أن المقاومة لا تزال مشتعلة، ولن تنطفأ حتى تحرير فلسطين كاملة".
ويقول إنهم استقبلوا نبأ استشهاد حبّاس "برضى تام. لدينا إرادة كبيرة وصبر على الألم والجراح، لأن إيماننا بالله قوي وتعلمنا من عقيدتنا قوة الإرادة والصبر ونحن جبال ومدرسة في الصبر بإذن الله".
ويلفت إلى أن حياة "حبّاس" الجهادية في سبيل الله بدأت منذ أن أبصر نوره للحياة، فلم تكن تسميته عبثاً، فيوم وُلد عام 1968 كان والده "عبد الحفيظ" معتقلاً في سجون الاحتلال بسبب التحاقه في صفوف الثورة الفلسطينية.
"له من اسمه نصيب".. هكذا يقول شقيقه مسعود عن سبب التسمية، "أراد أبي أن يكون أخي حابساً للأعداء الذين يزجون به في سجونهم حيث أمضى 6 سنوات، ثم جرى اعتقاله مرّة ثانية وأمضى 6 أشهر، أما الاعتقال الثالث فكان لمدة 18 يوماً قضاها بين أقبية التحقيق".
ويحكي أن والده كان حافظاً للقرآن الكريم، وداعية في قلب السجن ويؤم الأسرى في الصلوات وخاصة صلاة الجمعة، وحينما جرى الإفراج عنه تم تعيينه مؤذناً للمسجد.
نشأ "حبّاس" وإخوته الخمسة في بيت إسلامي، تربى على التقوى والإيمان وحُب الوطن وعرف قيمة القدس والرباط فيه، حيث يصفه "مسعود"، بأنه "حمل لواء الحق وعمل في طريقه".
ويروي مسعود: "يومياً نتلاقى ونجلس معاً، يدور بشكل يومي الحديث بيننا عن الشعب الفلسطيني ومعاناته تحت الاحتلال، وكان يقول "يكفي.. يكفي ظلماً وقهراً واستعباداً. يكفينا معاناة".
ارتقى "حبّاس" تاركًا خلفه ثلاثة أبناء من بينهم "قُصي" المعتقل في السجون منذ أكثر من 40 يوماً، بتهمة الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي.
"شعبنا لن يركع"
ويستعرض "مسعود" مناقب شقيقه الشهيد بقوله: "حبّاس معروف لدى أبناء كل القرية بطيبة قلبه وحنانه وحبّه الشديد للأطفال وتعلقهم فيه بدرجة كبيرة".
ويوجه رسالة للاحتلال قائلًا: "لن يركع الشعب الفلسطيني لكم مهما ارتكبتم جرائم قتل واستيطان وقلع، وأنتم ستتحملون كل المسؤولية، وشعبنا سيذيقكم الألم والمرارة والحرقة مثلما فعلتم، ولكن شهداءنا في الجنة وقتلاكم في النار".
كما وجه رسالة أخرى للمجتمع الدولي، "أنتم المسؤولون عن جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، لأنكم تلتزمون الصمت، وهو لا يقيم لكم ولا لقراراتكم أي اعتبار".
ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثمان الشهيد "حبّاس"، فيما تتواصل عائلته مع الارتباط الفلسطيني من أجل استعادته ودفنه في مقابر المسلمين، وبذلك يضاف جثمانه إلى 6 شهداء آخرين من قرى شمال غرب القدس، يحتجزهن الاحتلال.