منذ أن شقّت مجموعات "عرين الأسود" طريقها سرًّا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الثامن من فبراير/ شباط 2022، قدمت عددًا من الشهداء والجرحى، الذين اشتبكوا وتصدوا بكل ما يملكون لجيش مدجج بكل أنواع الأسلحة خلال اقتحاماته أحياء وحارات مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة.
قدّمت "عرين الأسود" نحو 13 شهيدًا منذ انطلاقها، ولا تزال على عهدها لشعبها بمواصلة المقاومة فداءً لفلسطين، لكبح جماح الاحتلال الذي يواصل ارتكاب جرائم بشعة بحق شعبنا في مختلف مدن الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وخاصة نابلس التي تتعرض لحصار إسرائيلي مُطبق.
تستعرض صحيفة "فلسطين" سير هؤلاء الشهداء الذين لم يتوانوا في تقديم أرواحهم رخيصة من أجل دحر الاحتلال عن الأرض المحتلة، وخلفهم عائلات وشعبا اتخذوا من المقاومة سبيلا لهم.
ففي الثامن من فبراير الماضي، استيقظت نابلس على جريمة اغتيال نفذتها وحدة "اليمام" الخاصة الإسرائيلية كانت تستقل مركبة عمومية تلاحق مركبة فلسطينية بداخلها ثلاثة شبان، حيث اعترضتهم القوة وأطلقت عليهم الرصاص، في منطقة حي المخفية بمدينة نابلس، ما أدى إلى استشهادهم على الفور.
والشبان الثلاثة هم: محمد الدخيل (22 عامًا) وأدهم مبروكة (28 عامًا) الملقب بـ"الشيشاني"، وأشرف المبسلط (21 عامًا)، وقد كانوا مطاردين وعلى قائمة الاستهداف الإسرائيلي.
الثأر للشهداء
يقول رائد الدخيل؛ والد الشهيد محمد: "لقد تشرّب ابني العمل المقاوم، فقد كبر على ذكر فضائل عمّه الذي حمل اسمه محمد حسن الدخيل الذي استشهد في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2000، وكان عمر ابني حينها 8 أشهر فقط (...) نحتفظ لابني بصورة حين كان في الخامسة من عمره وهو يقف إلى جانب مقاومين في نابلس، ارتقى معظمهم شهداء لاحقا".
انخرط "الدخيل بقوة في العمل العسكري عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/ أيار 2021، وكانت أولى عمليات إطلاق النار التي نفذها ردا على اغتيال الاحتلال المقاوم جميل العموري في يونيو/ حزيران 2021 بمدينة جنين شمالي الضفة الغربية، إذ كان صديقاً مقرباً منه.
من جهته، يقول أحمد مبروكة شقيق الشهيد أدهم: إنه تعلق بفكر المقاومة، وتعلق بشدة بالمقاوم الشهيد أمين اللباد، أحد مقاتلي كتائب شهداء الأقصى، إذ كان شبه مقيم في بيتهم بحارة القيسارية قبل اغتياله على يد قوة من جيش الاحتلال.
وودعت "عرين الأسود" في الرابع والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، اثنين من مقاوميها وهما عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي، في العشرينات من عمريهما، بعدما خاضا اشتباكا مسلحا مع قوات الاحتلال استمر أربع ساعات بالبلدة القديمة في نابلس، وصمدا فيه أمام نيران القناصة والقذائف الصاروخية ونجحا قبل استشهادهما في تأمين انسحاب رفاقهم المقاومين.
وعبّر جمال صبح، والد الشهيد عبد الرحمن، عن فخره واعتزازه باستشهاد ابنه محققًا أمنيته التي لطالما صرح بها. وقال إن "الشهادة أو الأسر هما مصير كل من لديه دين وأخلاق، وما قام به ابني هو واجبه الوطني والديني والأخلاقي، وطالما هناك احتلال فهناك مقاومة".
وأضاف "رسالتي لكل وطني وحر وشريف أن يحافظ على سلاحه ولا يستخدمه إلا في مكانه الصحيح، لأن السلاح مثل العرض".
وخلال حفل تأبين الشهيدين "العزيزي" و"صبح" بعد مرور أربعين يوما على استشهادهما، أعلنت "عرين الأسود" رسميا عن انطلاقها في 2 سبتمبر/ أيلول الماضي، وجرى تنظيم استعراض عسكري والإعلان عن أن الشهيدين هما مؤسسا المجموعات.
وفي التاسع من أغسطس/ آب الماضي، اغتالت قوة إسرائيلية خاصة من وحدة "اليمام" الشهيدين إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح، بعدما حاصرت منزلا كانا يتحصنان فيه بمنطقة نابلس.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية وقتها أن قوة خاصة تمكنت من اغتيال المطارد الأول "النابلسي" بعد مطاردة استمرت نحو عام، وأن الاحتلال تمكن حينها من اغتيال غالبية أفراد خليته.
وفور استشهاده توجهت والدته "أم إياد" إلى مستشفى رفيديا، وقالت أمام الجماهير المحتشدة: "إذا استُشهد إبراهيم فهناك مائة إبراهيم، وكل واحد منكم هو إبراهيم، وأنتم أولادي جميعًا"، مضيفة: "إبراهيم عاش مرْضي ومات مرْضي، مرْضي من كل الشعب، وقد استُشهد وهو يدافع عن وطنه، ودمه دم شرفاء".
وفي قصة أخرى، كانت هذه المرة للشهيد سائد الكوني (23 عاما) الذي ارتقى في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، إذ كان ضمن خلية من أربعة مقاومين، وقعوا في كمين نصبته قوات الاحتلال لهم على قمة جبل جرزيم جنوبي نابلس.
وكان "الكوني" يتقدّم المجموعة على دراجة نارية لاستطلاع الطريق، قبل أن يباغته الجنود بإطلاق الرصاص الحي عليه، حيث انفجر خزان وقود دراجته واندلعت النيران فيها، ما تسبب باحتراق جثته التي لا يزال الاحتلال يحتجزها، في حين تمكّن الثلاثة الآخرون من الانسحاب بعد إصابتهم بشظايا عقب اشتباكهم مع الجنود من مسافة قصيرة.
تقول والدة الشهيد "الكوني" ميساء الشخشير "أم سعدي": "نياله على الشهادة، هذه مرتبة عظيمة لا يصل لها إلا الصادقون، وهو كان صادقا في مبتغاه، وفرحتي أكبر أنه استشهد وهو يقاوم الاحتلال".
الكيلاني والحوح
وفي صبيحة الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، فقد ارتقى الشهيد تامر الكيلاني، وهو أحد نشطاء "عرين الأسود"، بانفجار عبوة ناسفة وضعت له على دراجة نارية في حي الياسمينة بنابلس، وقد اتهمت المجموعات الاحتلال بالوقوف وراء جريمة اغتياله.
ولفت سفيان الكيلاني والد الشهيد "تامر" إلى أن الاحتلال كان يصف نجله بـ"المخرب الكبير"، لكنني أقول: "إنه الثائر العنيد وناصر الثورة، الذي تعرض لتهديدات كبيرة باغتياله، وكان يرفض تسليم نفسه لأنه يعتبر ذلك خيانة".
وفي الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، استشهد القائد في "عرين الأسود" وديع الحوح برفقة أربعة آخرين، إثر اقتحام قوات الاحتلال بعد منتصف الليل مدينة نابلس من عدة مداخل، ومحاصرة أحد المباني في حارة الياسمينة وقصفه بالصواريخ، حيث سمعت أصوات إطلاق نار وتفجيرات في المنطقة.
وخاض الحوح ورفاقه اشتباكا شرسًا مع قوات الاحتلال الخاصة استمر عدة ساعات بمنطقة "حوش العطعوط" القريب من حارة الياسمينة.
تذكر شقيقة الشهيد الحوح صفاته قائلة: "الكل يعرف أنه رجل، من زينة البلد، كان سندًا لي وللبلد كلها، ستبقى ذكراه لآخر يوم، كانت أمنيتي أن أراه عريسًا، لكنه ذهب عند أمي، هي من ستزفُّه، كان نعم الأخ والصديق، فدى نفسه للوطن، وهو أسد العرين".