المجتمع الإسرائيلي يميل إلى التطرف، وهذا ما كشفت عنه نتائج الانتخابات، التي أكدت فوز بن غفير وسموتيرتش، قادة الصهيونية الدينية، بعدد غير متوقع من المقاعد في الكنيست الإسرائيلي، وكأن المجتمع الإسرائيلي يكافئ المتطرفين على اقتحامهم للمسجد الأقصى، وتفاخرهم بكراهية العرب، وحديثهم الصريح عن الحياة فوق الأرض الفلسطينية نظيفة من العرب.
فوز المتطرفين بهذا العدد من مقاعد الكنيست يؤكد أن حكومة الاحتلال القادمة ستكون حكومة تطرف، ومواجهات في الضفة الغربية وغزة. حكومة ستضم بن غفير وزيراً للأمن الداخلي كما يطالب، ولن يجرؤ نتنياهو -اللاهث على تشكيل الحكومة- على التنكر لمطالب بن غفير، لأن نتنياهو يعد نفسه ملك اليمين والتطرف، ولن يسمح للمتطرفين المتشددين بالتقدم عليه خطوة في هذا الاتجاه، ولن تجرؤ أمريكا على التدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي، ولن يصغي نتنياهو إلى الاعتراض الأمريكي، فقد سبق أن تحدى نتنياهو الرئيسَ الأمريكي أوباما، ونفذ سياسته العدوانية على الأرض الفلسطينية، دون الالتفات للنقد الأمريكي الخجول.
لقد سقط حزب ميرتس الذي يطالب بحل "شبه عادل" للقضية الفلسطينية، سقوطاً مجلجلاً، وهذا يدلل على رفض المجتمع الإسرائيلي بشكل عام فكرة أي حل سياسي للقضية الفلسطينية، حتى لو كان بمفهوم حزب ميرتس الذي يؤيد ضم القدس، ولا يؤيد إخلاء المستوطنات بالكامل، ولا يؤيد قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، حتى هذا الحل السياسي المنزوع الدسم، سقط في انتخابات الكنيست الـ25، التي تمثل أصدق تعبير للمزاج الإسرائيلي.
جنوح المجتمع الإسرائيلي إلى التطرف الفاجر يرجع إلى سببين:
الأول: مواصلة السلطة الفلسطينية التنسيق والتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، ومواصلة اعتقالها النشطاء الفلسطينيين أمثال مصعب اشتية، وهذا الذي يمد المجتمع الإسرائيلي بالأمن والاطمئنان على مستقبله ومصيره، فيجنح إلى التطرف.
الثاني: مواصلة التطبيع العربي، وتذلل الأنظمة العربية لقادة الصهاينة، وهذا الذي يعزز الشعور بالاطمئنان لدى المجتمع الإسرائيلي، الذي اصطف خلف المتطرفين تشجيعاً وتأييداً.
إنها المعادلة الدقيقة التي عبرت عنها نتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي تقول: كلما ازداد الضعف العربي بشكل عام، ازداد التطرف الإسرائيلي، وكلما تقدمت الأنظمة العربية خطوة باتجاه التطبيع، ابتعد المجتمع الإسرائيلي خطوات باتجاه التشدد ورفض الاعتراف بالحق العربي على أرض فلسطين. إنها المعادلة التي تقوم على الخوف من جهة، والغرور بالقوة من جهة أخرى، فالمجتمع الإسرائيلي لن يميل إلى السلام والمهادنة والاعتراف بحقوق الآخرين إلا إذا شعر بالخوف، وأنه يعيش تحت الخطر والتهديد، ويتمرد المجتمع الإسرائيلي، وتتفتح شهيته لمزيد من العدوان، كلما شعر بالأمن والاطمئنان، وفوز بن غفير خير نموذج لذلك.
بقي أن نشير إلى أن الخاسر الأكبر من نتائج الانتخابات هو محمود عباس، وكل من راهن على فوز معسكر لابيد غانتس، وتشكيلهم حكومة تقبل باستئناف المفاوضات العبثية، بلا أفق، وبلا أمل.