فلسطين أون لاين

تقرير كرم هريش.. رضيعٌ يتضامن منذ أسبوع ولادته الأول مع والده المعتقل سياسيًّا

...
المعتقل السياسي هريش

تقول فاطمة هريش إنها باتت تستثني مشاعر غياب زوجها أحمد من حياتها، وفقدانها له في أكثر اللحظات الإنسانية التي يجتمع فيها الألم والفرح معًا، ليحتل تفكيرَها تساؤل واحد: "هل سيعود لي أحمد على قدميه؟!".

ومنذ 141 يومًا تعتقل أجهزة أمن السلطة أحمد هريش في سجن أريحا في ظروف سيئة.

وما يوجع قلب فاطمة أنّ الاعتقال لدى أمن السلطة متصاعد، لا يقف عند التعذيب في البداية، بل يستمر غالبًا طيلة الوقت، ما يدفع المعتقل للإضراب والدخول في انتكاسات صحية، كما حدث مع أحمد، حيث عانى مشكلات في الجهاز الهضمي، وأخرى في الكلى، وارتفاعا شديدًا في الحرارة، وعدم قدرة على التوازن وتلبية حاجاته الخاصة.

سيطر الحزن على فاطمة التي قالت إنها باتت تعيش "جسدًا بلا روح، فلا مكان للمشاعر، ولم يعد للحياة أيّ معنى بفعل غياب أحمد، وما يحدث معه أفقدني الروح، والتخوفات التي ترافقني بفعل إضرابه عن الطعام، وأحاول أن أتظاهر بالقوة أمام صغيرنا أكرم الذي بدأ يتفاعل مع من حوله".

وتذكر فاطمة أنها عاشت تجربة قاسية بعد أن وضعت مولودها البكر في غياب زوجها، وتمنت لحظة ولادته أن يستشعره أحمد رغم بعده عنهم.

وأصبح الطفل الرضيع كرم أصغر متظاهر يتضامن مع والده أحمد المعتقل سياسيًّا في سجن أريحا سيئ الصيت، بعد نحو شهرين من ولادته.

تعود فاطمة إلى واقعة اختطاف أحمد في السادس من يونيو/ حزيران الماضي، حيث "هاجم ملثمون مسلحون من جهاز مخابرات أمن السلطة سيارتنا الخاصة، وصوبوا فوهات بنادقهم باتجاهنا، وطلبوا منه النزول من السيارة واعتدوا عليه بالضرب، واقتادوه بطريقة همجية".

اقرأ أيضا: غضب شعبي لحرمان السلطة المعتقل هريش من حضور ولادة طفله

141 يومًا مرت على اعتقال أحمد، ولم تنسَ فاطمة أحداث ذلك اليوم الصعب، فقد كان كلاهما ينتظران انتهاء الامتحانات الجامعية للذهاب سويًّا إلى السوق وشراء احتياجات ابنهما البكر، الذي ينتظران ولادته بفارغ الصبر.

تقول عن ذلك اليوم: "لم أستطع التحدث في بداية الأمر بما حدث مع أحمد، فبشاعة ما حصل لا يمكن وصفها. لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد تعرض لأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وكان ذلك واضحًا عليه خلال جلسات المحكمة التي لم يشهدها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حينما قضى فيها أكثر من خمس سنوات".

ارتباط قوي

أما أسماء، شقيقة أحمد التي تكبره بعامين، وتربطها به علاقة لا يمكن وصفها، كما تقول، "فمنذ مرحلة رياض الأطفال كنت المسؤولة عنه، لكون والدتي معلمةً، ووالدي معتقلًا، أدرسه وأساعده في كثير من أموره".

وتذكر كيف رافقت أحمد وشقيقاتها الأصغر منه لزيارة والدهم في سجن النقب، كانت حينها لم تتجاوز (12 عامًا)، فوالدتها وأشقاؤها الأكبر منها كانوا ممنوعين من الزيارة.

تقول: "انطلقنا في الرابعة فجرًا وكان البرد قارسًا، توجهنا إلى حاجز قلنديا، واستمرت الرحلة 7 ساعات، وانتظرنا حتى أذان المغرب، إلى أن أتى دورنا في الزيارة، ليخبرنا أحد الجنود أنّ والدنا ممنوع من الزيارة، لم أتمالك نفسي، وبتُّ أصرخ وأبكي وأرجو الجندي أن يسمح لنا برؤية والدي".

تضيف أسماء: "شعرت حينها بتأثر أحمد، وأنه لم يعد أخي الأصغر مني، بدا عليه الصبر، ورفض تصرفي بالتوسل للجندي، فقد كبر وهو زائر بين سجون الاحتلال والسلطة، إما لوالدي وإما لأشقائي، في الأوقات القليلة التي يتحدث بها كان يخبرني بقهره مما حدث".

وما إن بلغ أحمد 18 عامًا حتى لحق به الدور، بات يُعتقل من السلطة ومن الاحتلال، فبدلًا من انتهاء دراسته الجامعية في عامين أتمها في 4 أعوام بسبب الاعتقالات، وغُيّب عن حفل تخرجه، واعتقاله الأخير حرمه حضور ولادة ابنه، إلى جانب الأعياد، وغيرها من المناسبات العائلية، تضيف شقيقته أسماء.

وتذكر أنّ شقيقها اعتُقل 14 مرة في سجون السلطة، و5 مرات في سجون الاحتلال، مشيرة إلى أنه تعرض خلال اعتقاله الأخير لتعذيب وحشي رغم عدم وجود تهمة واضحة لاعتقاله ومحاكمته.

باتت أسماء تفتقد غياب أحمد بشخصيته ونفسه الطيبة، وتشير إلى أنه قبل اعتقاله بثلاثة أيام احتفلت العائلة بذكرى ميلاده الـ28 لأول مرة وهو خارج المعتقلات، "لا يحب أحمد هذه الأجواء، لكنه يحتفل بها على خجل، وخلال المحاكمة مازحته بالقول، منيح اللي لحقنا نحتفل بذكرى ميلادك".

ما حدث مع أحمد من اعتقال وتعذيب أثّر صحيًّا في والديه، فقد أُصيب والده بجلطة قلبية استدعت إجراء عملية قسطرة، أما والدته فقد خاضت إضرابًا عن الطعام مدة 25 يومًا للتضامن معه، وفضّته بعد وعود بالإفراج عنه.

وتقول أسماء عن قساوة الاعتقال في سجون السلطة إنه "أسوأ من السنوات التي قضاها في سجون الاحتلال، لم نعش صعوبة مثل تلك الأيام، فـ4 سنوات في سجون الاحتلال ولا يوم عند السلطة".