حين انهارت حكومة الكيان الاستيطاني التي قادها تحالف بينيت/لابيد، وصدق الكنيست يوم 30 حزيران 2022 على مشروع قانون مُقدم من الائتلاف الحكومي، ينص على حل الكنيست 24 في تاريخ المستوطنة، أيد ذلك 92 عضواً من أصل 120 ما كان يعني ما يجري اليوم من تحضيرات لإجراء انتخابات مبكرة يوم 1 تشرين الثاني المقبل، وهي الانتخابات الخامسة في ثلاث سنوات ونيف.
البلاد تشهد انقساماً حاداً يتعلق بإمكانية عودة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم وهو المتهم بِعِدّة قضايا فساد، ولكن ثَم عامل إذا وَقَع فإنه قد يقلب الموازين، ويشير مراقبون كُثُر أن حاملي جنسية الكيان من المواطنين الفلسطينيين والذين تقدرهم آخر الإحصائيات بأنهم يشكلون خُمس عدد المقيمين في البلاد وهو أنه إذا ارتفعت نسبة مشاركتهم في التصويت، تعززت فرص فوز معارضي نتنياهو في الانتخابات.
ويقول الباحث في "معهد الديمقراطية" في "تل أبيب"، والخبير في السلوك الانتخابي لأبناء الشعب الفلسطيني في الكيان إيريك رود نيتزكي: "لا أذكر أن ثَم حملة انتخابية نشهدها تعتمد بكُليتها على تصويت المواطنين الفلسطينيين كهذه الانتخابات"، ولكن غالبية استطلاعات الرأي تُقَدّر أن تنخفض نسبة المشاركة في أوساط المجتمع الفلسطيني إلى مستويات غير مسبوقة، على الرغم من وجود حزب "فلسطيني" في الائتلاف الحاكم المنتهية ولايته، ولأول مرة منذ تأسيس الكيان الاستيطاني على الأرض الوطنية الفلسطينية المحتلة، فإن هذا لا يشكل عامِلاً مُشَجعاً بأي حال للناخبين وقد تصاعدت وتيرة الممارسات العنصرية ضدهم، وهدم المنازل، ومصادرة الأرض، ومن جراء تَفَشي جرائم القتل بحقهم على يد عصابات ومافيات تدعمها الحكومة وشرطة الاحتلال، والغلاء الذي يعانونه وفقدان أي آفاق في التغيير داخل النظام السياسي العنصري في فلسطين المحتلة عام 1948.
وضم الائتلاف الحالي "القائمة الموحدة " للحركة الإسلامية بقيادة عضو الكنيست منصور عباس، ولكن "القائمة المشتركة" التي يقودها رؤساء ثلاثة أحزاب هم أحمد الطيبي "الحركة العربية للتغيير"، وأيمن عودة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، وسامي أبو شحادة "حزب التجمع الوطني الديمقراطي"، رفضت الانضمام إلى الائتلاف الحاكم الذي وصفته بـ"اليمين المتطرف"، وفي الانتخابات السابقة، شغلت الأحزاب العربية -كما تُسمى- 10 مقاعد في الكنيست من أصل 120 مقعداً بعدما تفككت "القائمة العربية المشتركة"، التي كانت قد حصلت على 15 مقعداً في عام 2015 وضَمّت أربعة أحزاب.
ورغم أن نتيناهو لعب دوراً عنصرياً قذراً ضد الجماهير الفلسطينية، وتقافز على التوترات العرقية خلال عمله السياسي الممتد لحوالي العقدين، فقد كان لا يدخر جهداً لاستمالة دعم الناخبين الفلسطينيين لدعم حزبه "الليكود"، رغم كل استخفافه الواضح والفاضح بحقوقهم أيًّا كان تواضُعها.
ورغم أن الكثير من الاستطلاعات تشير إلى تقارب الكتلتين الكبيرتين لنتنياهو ولابيد، إلَّا أنه إذا صدقت توقعات بعض الاستطلاعات في أن "الأحزاب العربية" ستحصل على 8 مقاعد فقط في الكنيست، فإن هذا يعني أن بنيامين نتنياهو قد يترأس حكومة ستكون الأكثر تشدداً في تاريخ الكيان العبري والتي سَتَضُم أحزاب اليمين المتطرف وأطرافاً تُشَرّع استخدام السلاح جهاراً نهاراً ضد شعبنا الفلسطيني وتسريع النهب الاستيطاني وترويع المواطنين وتدمير منازلهم وعلى نحو خاص في القدس ويلعب عُضو الكنيست "بن غفير" دوراً مركزياً وعنواناً لسياسة نتنياهو الجديدة القديمة القادمة وهو الذي وعد بتنصيبه وزيراً في حكومته إذا حالفه الحظ بالفوز.
ما يقارب 40 قائمة تخوض غمار انتخابات البرلمان، وتقدر ترجيحات الخبراء أن يتمكن ربع هذه القوائم من النجاح وتخطي العتبة الانتخابية البالغة 3.25%، وتعادل مقاعد كتلتي نتنياهو ولابيد.
ويتوقع فوز 11 قائمة وهي "الليكود"/نتنياهو، و"وهناك مُستقبل"/لابيد، و"المعسكر الرسمي"/بيني غانتس، "والصهيونية الدينية"/بتسلئيل سموتريتش، كما يتوقع فوز "شاس" و"يهودوت هتوراه" و"إسرائيل بيتنا" و"القائمة المشتركة" و"العمل" و"ميريتس" و"القائمة العربية الموحدة".
ساعات قليلة وهي حاسمة حتى نتبين تقاسيم النظام السياسي في "تل أبيب"، ونشير هنا إلى أنه وإن لم تقع مفاجأة لافتة في أن يحرز قصب الفوز هذا أو ذاك من المتنافسين الكبار –وهذا غير متوقع على أي حال– فإن تداعيات المنحدر الممتد منذ أكثر من عقد ونصف حتى الآن وتحديداً منذ حوالي 4 سنوات، فإن هذا التسونامي غير المسبوق الذي يزلزل الكيان الاستيطاني سيُمهد الطريق، لا أكثر ولا أقل، لانتخابات سادسة وسيجد المستوطن الصهيوني نفسه يلهث في ماراثون انتخابي جيئةً وذهاباً ودفيئة لانقسامات عمودية وأفقية مع الولوج إلى دوامة ذات بُعْدٍ إستراتيجي خطير لا مخرج منها.
الحلقة المُفرغة لهذا التشظي ستعمق الانقسامات وهي في جُلّها ذات بعد فلسطيني بدأ يترك آثاره العميقة منذ أكثر من عقد ونصف، وَيُمَدُّ على استقامَتِه كذلك بُعْد محور المقاومة الذي بدأ من شمال فلسطين المحتلة مع جهاد "حزب الله"، ونحو سوريا والعراق حتى الجمهورية الإسلامية في إيران.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هناك حضوراً بارزاً لكُتَل فلسطينية وازنة تنادي وتعمل على مقاطعة انتخابات الكيان البرلمانية وهما: الحركة الإسلامية الشمالية ورئيسها شيخ القدس رائد صلاح، وأبناء البلد وهي حركة سياسية قومية، لها حضورها بغض النظر عن حجمها ويقودها السيد رجا إغبارية، وهذا مؤشر للتعددية في المسارات الفكرية بين مكونات أبناء شعبنا الفلسطيني المنزرعين في وطنهم فلسطين الذي احتلته العصابات اليهودية عام 1948، وهناك مجموعات فلسطينية أخرى وحشود أخرى وهم يناضلون على طريقتهم رفضاً لهذا الكيان العنصري ويشاركون في المسيرات والانتفاضات الجماهيرية الكبرى دفاعاً عن الأرض وإسناداً لشعبهم ومقاومتهم الباسلة في قطاع غزة وفي ضفة القسام وفي الحشد والمرابطة دفاعاً عن طُهر القدس وصداً لغائلة التدنيس اليهودية الصهيونية، والقبلة الأولى وبوابة السماء.
وتكشف انتخابات العدو أن الكتلتين الكبيرتين لنتنياهو/لابيد بكل مُكوّناتها لا تختلفان حتى التفاصيل في كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وثوابته الوطنية غير القابلة للتصرف وغير القابلة للاعتراف من جانب مكونات الطيف السياسي للخارطة السياسية الصهيونية، إنهما نقيضان ينخرطان في حرب وجودية دموية الغلبة فيها لأصحاب الحق المنتصرون في حرب الإرادات والذين يحققون ويراكمون نقاط قوة أضحت ماثلة للعيان وتقترب من إنجاز هدفها النهائي في الظفر العظيم.