كل التحية للمقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧م (فرانشيسكا البانيز) في قولها: إن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، ولا يمكن تمييزه عن الاستعمار الاستيطاني، الذي يحب أن ينتهي كشرط مسبق للفلسطينيين لممارسة حقهم في تقرير المصير. وقولها: "لا يمكن أن تبدأ المناقشات الهادفة للحل السياسي إلا بعد إزالة الاحتلال غير القانوني مرة واحة وإلى الأبد".
هذا القول الفصل، والمعادلة الحكيمة، يمكن أن نهديها لرئيس السلطة الفلسطينية، وقادة فتح الذين فاوضوا المحتل الإسرائيلي لا على إزالة الاحتلال، وإنما فاوضوه على الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلًا للفلسطينيين، وعلى سلطة حكم تحت الاحتلال. أي هم ذهبوا إلى مفاوضات سياسية قبل إزالة الاحتلال، فأورثوا أنفسهم والشعب الفلسطيني بقاء الاحتلال والاستيطان، وظفروا هم بسلطة وكالة للمحتل في إدارة شؤون السكان في غزة والضفة دون القدس؟!
إفراشيسكا مقررة حقوق الإنسان ليست فلسطينية، وليست من المعارضة، ولا من حماس، ولا من الجبهة، هي غير فلسطينية، وليست مسلمة، ولكنها تفقه السياسة، وتعرف طبيعة الاستعمار والاحتلال، وتميز جيدًا بين الحلول السياسية، والحلول الوطنية الجذرية، لذا هي تحيط الجهات المسؤولة بالحقيقة بلغة صادقة: "لا حلول سياسية قبل إزالة الاحتلال".
صدقت. وهذا الذي مارسته مصر حين فاوضت العدو. مصر قالت لا: حلول سياسية قبل زوال الاحتلال عن آخر متر من الأراضي المصرية المحتلة. وحين فاوضت (إسرائيل) سوريا حول حل سياسي ينتقص الأراضي السورية على ضفاف بحيرة طبريا فشلت المفاوضات السورية الإسرائيلية.
منظمة التحرير، أو قل عرفات، وعباس، فاوضا المحتل على حلول سياسية ممرحلة على مرحلتين، ليس بينها إزالة الاحتلال عن آخر متر من أراضي الضفة والقدس وغزة، ومن ثَم نُفِّذ الحل السياسي، المترجم بسلطة حكم ذاتي مع بقاء الاحتلال، ومع تعاون أمني يمنع مقاومة المحتل. واليوم تتعاون السلطة مع المحتل في التخلص من ظاهرة عرين الأسود، ومن مقاومة جنين، بموجب الحلِّ السياسي الصفيق.