فلسطين أون لاين

ما حكم قَصدُ سَجدَةِ التِّلاوَةِ في صَلاةِ فَجرِ الجُمُعَة

...

السؤال/ قرأ الإمامُ في فَجرِ الْجُمُعَةِ آياتٍ مِنْ سُورَةِ السَّجْدَةِ، فَسَجَدَ سُجودَ تِلاوَةٍ في غَيرِ مَوضِعِهِ، ولَمَّا رَفَعَ منه، وأكمَلَ القِرَاءَةَ، تـَنـَبَّهَ لآيَةِ السَّجدَةِ، فَسَجَدَ مَرَّةً أخرىٰ؛ فما الْحكم؟

الجواب/ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذا بيان هذه الْمسألة، وهو ينتظم في أربعة بنود:

أولاً/ إنَّ مَنشأ هذا الْخَطأ هو حِرصُ الإمامِ علىٰ الإتيانِ بسَجدةِ التلاوةِ في صلاةِ فَجرِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ بِقِراءَةِ بَعضِ آياتٍ من سُورَةِ السَّجدَةِ؛ ظاناً أنه يُصِيبُ السُّنـَّةَ بذلك، والْحقيقةُ أنَّ هذا خلافُ السُّنـَّةِ؛ فإنَّ الْمَسنونَ هو قِراءةُ سُورَتـَي السَّجْدَةِ والإنسانِ كامِلَتـَيْنِ في الرَّكعَتـَيْنِ، كما كان يَفعَلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنـَّهُ كانَ يقرأ في الأولىٰ بالسَّجدة، وفي الثانية بالإنسان (أخرجه الشيخان)، وأمَّا أنْ يَجعَلَ الإمامُ كُلَّ سُورةٍ مِنهُما عِضِيـن؛ فيَقرَأ بِجزءٍ مِنْ سورةِ السَّجدةِ في الرَّكعةِ الأولىٰ، وبِجزءٍ من سورة الإنسانِ في الثانيةِ، ويَهجُرُ باقِيَهما؛ فهذا إخلالٌ بالسُّنـَّةِ، كما ذَكَرَ السَّادَةُ العُلَماءُ.

قال الشربيني رحمه الله: (فإنِ اقتَصَرَ عَلَى بَعضِهِمَا، أوْ قرَأ غَيْرَهُمَا، خَالَفَ السُّنـَّةَ) مغني الْمحتاج 1/364.

وقال ابن القيم رحمه الله: (وَأمَّا مَا يَظُنـُّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ أنَّ صُبْحَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فـُضِّلَ بِسَجْدَةٍ، فَجَهْلٌ عَظِيمٌ، وَلِهَذَا كَرِهَ بَعْضُ الأئِمَّةِ قِرَاءَةَ سُورَةِ السَّجْدَةِ لأجْلِ هَذَا الظـَّنِّ، وَإِنـَّمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَبْدَأ وَالْمَعَادِ، وَخَلْقِ آدَمَ، وَدُخُولِ الْجَنـَّةِ وَالنـَّارِ، ...) زادُ الْمَعاد 1/144.

وقال رحمه الله في موضع آخر: (ويَظُنُّ كثيرٌ مِمَّنْ لا عِلْمَ عِندَهُ أنَّ الْمُرادَ تـَخصِيصُ هذه الصَّلاةِ بِسَجدَةٍ زائِدَةٍ، ويُسَمُّونها سَجدَةَ الْجُمُعةِ، وإذا لَمْ يَقرَأ أحَدُهُم هذه السُّورةَ استحَبَّ قِرَاءةَ سُورةٍ أخرىٰ فيها سَجدَةٌ، ولهذا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنَ الأئمَّةِ الْمُداوَمَةَ على قراءَةِ هذه السُّورةِ في فجر الْجُمُعَةِ؛ دَفعاً لِتوَهُّمِ الْجاهِلِينَ) زاد الْمعاد 1/282.

ثانياً/ يأتي سُجودُ التلاوةِ في صلاةِ فجرِ الْجُمُعَةِ تـَبَعَاً للقراءَةِ؛ لِوجُودِ آيَةِ السَّجدَةِ في السُّورة، ولَيسَ قـَصداً لِقِراءَةِ آيَةِ السَّجدَةِ في هذه الصَّلاةِ؛ حتىٰ يَسجُدَ للتلاوَةِ.

قال ابن القيم رحمه الله: ( والسَّجدَةُ جاءَتْ تـَبَعَاً؛ لَيْسَتْ مَقصودَةً، حتىٰ يَقصُدَ الْمُصَلِّي قِرَاءَتـَها ) زاد الْمعاد 1/282، ويُفهَمُ مِنْ هذا أنَّ قصدَ قِراءَتِها لأجلِ السَّجدَةِ مُخالِفٌ للسُّنـَّةِ، ولِهَدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذلك كَمَنْ سَافـَرَ إلى الْمَدينةِ الْمُنوَّرةِ قاصِداً زيارةَ قبـرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يَجوز؛ لأنَّ شَدَّ الرِّحَالِ لا يَكونُ إلا للصَّلاةِ في الْمسجدِ النـَّبَوِيِّ، وأخَوَيْهِ؛ الْمسجدِ الْحَرَامِ، والْمسجدِ الأقصَىٰ، وتأتي زيارةُ قبـرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تـَبَعاً للصَّلاةِ في الْمسجد النـَّبَوِيِّ؛ لا قـَصداً لِزيارَةِ القَبـْرِ الشريف.

ثالثاً/ إنَّ قراءةَ هاتيْن السُّورَتيْن لَيسَت واجِبَةً، فيُستَحَبُّ للإمام أنْ يَقرأ بِغَيـرِهِما أحياناً؛ حتىٰ لا يَظُنَّ الناسُ أنَّ قراءَتـَهُما واجِبَةٌ، ولا بأسَ علىٰ قولِ بعضِ أهل العِلمِ أنْ يقتصِرَ علىٰ قِرَاءَةِ سورةِ السَّجدَةِ وَحدَها، أو الإنسانِ بِمُفرَدِها، يَقسِمُها في الرَّكعَتين؛ تـخفيفاً علىٰ مَنْ لا يُطِيقونَ التـَّطويلَ، ولِئَلا يُصَارَ إلى تـَركِ السُّنـَّةِ؛ كَرَاهَةَ الْمَشَقـَّةِ علىٰ الْمُصَلِّيـن، وهو أفضلُ مِنْ قِرَاءَةِ غيرِهِما؛ لأنـَّهُ يُحقِّقُ الْمَقِصدَ من اختيارهِما لِفَجرِ الْجُمُعَةِ.

رابعاً/ أمَّا الصَّلاةُ في الصُّورةِ الْمذكورة في السُّؤالِ فهِيَ صَحِيحةٌ، ويَجبُرُها سُجودُ السَّهوِ؛ لِوُجُودِ سَجدَةٍ زائِدَةٍ بالْخَطأ.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

الشيخ/ إحسان إبراهيم عاشور

مفتي محافظة خان يونس

المصدر / فلسطين أون لاين