ليزا تراس رئيسة وزراء بريطانيا -رئيسة حزب المحافظين- تتخلى عن منصبيها في رئاسة الحزب، ورئاسة الوزراء. في فترة الأسابيع الستة التي قضتها في المنصب أكملت مشروع بلفور، بتصريحها أنها تعتزم نقل سفارة بلدها من (تل أبيب) إلى القدس، وتعترف بالقدس عاصمة (لإسرائيل). تراس لم تنفذ وعدها لأنها استقالت، وحل محلها في المنصبين ريشي سوناك، الذي صرح بأنه يدرس نقل سفارة بلده إلى القدس، ومن ثمة الاعتراف بها عاصمة (لإسرائيل).
من يقرأ الموقفين والتصريحين لتراس وسوناك لا بد أن يسأل: هل بات حزب المحافظين البريطاني عدوا سافرا للفلسطينيين، وصديقا حميما للإسرائيليين؟
حين أعلنت تراس عزمها نقل سفارة بلدها، استنكرت السلطة الموقف المنحاز (لإسرائيل)، وذكرت بريطانيا أنه موقف يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية. وحين تخلت (تراس) عن منصبها جاء إليه في مكانها الهندوسي البريطاني (سوناك) ليعيد على الفلسطينيين والعرب ما عزمت تراس فعله، ومن ثمة يجدر تذكيره بأن موقفه مخالف للعدل ولقرارات الشرعية الدولية.
إذا كان (سوناك وتراس) يعبّران عن موقف عام لحزب المحافظين في بريطانيا، ولا يعبران عن مواقف شخصية، فمعنى ذلك أن حزب المحافظين بات بيتا دافئا للصهيونية، وأنه لا جدوى من التذكير بالشرعية الدولية، أو بالأضرار التي يلحقها موقف بريطانيا بالحقوق الفلسطينية، وأنه يجدر البحث عن الأسباب التي تقف وراء ذلك الموقف.
بريطانيا دولة استعمارية وهي من صنعت المشكلة للفلسطينيين، وهي من دعمت (إسرائيل) ماليا وعسكريا وسياسيا، ويدرك ذلك قادة فلسطين والعرب، لذا تجدهم أحيانا يطالبون بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور، وهي في نظري مطالبة إعلامية فقط، ولا تقوم على قواعد عمل توصل إلى الهدف.
الاعتذار مطلب كبير في العمل السياسي، وأقل منه ألّا تتمادى حكومات بريطانيا في العدوان على الحقوق الفلسطينية، ومن أحدث مظاهر هذا العدوان العزم على نقل السفارة للقدس، فلماذا نفشل نحن الفلسطينيين في كبح عدوان بريطانيا، وكبح عزمها نقل سفارتها للقدس، ونحن في الإعلام نطالبها بالاعتذار عن وعد بلفور؟!
نحن في حاجة ماسة لمراجعة ذاتية، تبحث عن موطن الخلل، هل هو في بريطانيا وحزب المحافظين، أو هو فينا نحن الممثلين للحق الفلسطيني، والقائمين على السياسة الفلسطينية الخارجية؟!
من المؤكد أن الإجابة لا تبرِّئ بريطانيا وتدخلات الصهيونية، ولكن هل هناك ما يبرئنا من الفشل في السياسة الخارجية؟!