ظل عُدي التميمي يطلق النار من مسدسه باتجاه الجنود الصهاينة حتى الرمق الأخير من حياته، لم ترتعش يده، ولم يتزحزح عن الهدف رغم عشرات الرصاصات التي كانت تخترق جسده، وكأن الذي بينه وبين الصهاينة جبل من الأحقاد تؤججه الكراهية، لقد ظل عُدي يطلق النار بكل ما تبقى لديه من قدره، وكانت عيناه تبرقان بالموت للصهاينة، وتتوعدهم بالمزيد، من سلاح تغمس بمداد الدم النازف.
عدي التميمي بطولة لا توصف، وجرأته فاقت المألوف، وشجاعته عنيدة تمثلت في الإصرار على مواجهة عشرات الرشاشات بمسدس، رشاشات إسرائيلية استهدفت جسد عُدي من كل الاتجاهات، ونيران تخترق جسده، دون أن تلامس الروح، لقد ظلت روح عُدي وثابة، وتصر على مواصلة الاشتباك، دون شعور بالخوف أو الارتباك، وحتى اللحظات الأخيرة، لم يبدِ عُدي التميمي ترددًا أو رعبًا، كان يواجه عدوه بشراسة الثوار، ويرسم معالم مصيره بثقة وإصرار، مع الإيمان الراسخ بفكرة محاربة الأعداء بما أتيح لديه من وسائل قتال، كان عدي ينظر إلى المستقبل، وهو يكتب بدمه وثيقة تاريخية تؤكد أن الحقد الذي ملأ قلب الرجل كان أكثر لهيبًا من رصاصاتهم المتفجرة.
لم يستورد عدي التميمي الأحقاد من خارج فلسطين، ولم يشترِ عُدي الكراهية للصهاينة من أسواق أوروبا، ولا من كتب التاريخ، عدي التميمي تعلم الحقد في مدارس فلسطين، وعلى أطراف المخيم، وفي ساحات الاشتباك، عدي التميمي تشرب الكراهية للصهاينة من مشاهد القتل اليومي؛ الذي يمارسه العدو الإسرائيلي ضد شعب أعزل، عُدي يسمع ويتألم، ويخزن في وجدانه الأحقاد على من يقتل الفلسطينيين بشكل متعمد وفاجر، عُدي كان يرى العدو وهو يعتقل العشرات من الشباب والبنات، ويجرجر النساء من شعورهن، ويهين الشيوخ، ويذبح كرامة الفلسطيني في مسلخ الاحتقار والسخرية، كان عُدي يتجرع الحقد، من مشاهد العدو الذي يجول بسلاحه متغطرسًا متكبرًا، عدو لا يحسب الفلسطيني إلا حيوانًا للذبح، أو كلبًا للنبح، أو بغلًا للعمل في المصانع والورش الإسرائيلية، عُدي التميمي درس كتاب الأحقاد من مدارس الصهيونية، وقلب صفحاته منذ اليوم الأول لميلاده وسط دوي القذائف، وبين طلقات الرصاص التي لا تعرف الشفقة، رصاصات جيش تفنن في القتل بلا خوف من عقاب، وبلا فزع من حساب.
وعلى مر العصور، كانت وصايا القادة لجنودهم في المعارك: لا تحاصر عدوكم من أربع جهات، حاصره من ثلاث جهات، واترك له الجهة الرابعة للهرب والنجاة بنفسه، وهذا ما لم يعمد إليه جيش الصهاينة، الذي تعود أن يحاصر الفلسطينيين من أربع جهات، ويظل يقتلهم، ويعذبهم، ويخنق مستقبلهم، دون أن يسمح لهم بالنجاة، أو الأمل بالحياة، لذلك خرج عليهم عُدي التميمي بسلاحه الحاقد، ليشق الدرب لملايين الشباب المعبأة حقدًا على الصهاينة.
ملحوظة: كان الحاكم العسكري الإسرائيلي يتفقد شوارع مخيم خانيونس، حين أبصر أحد مخاتير اللاجئين يجلس على بطانية ممزقة على باب الدار في المخيم، بلا عملٍ، وبلا أملٍ.
أطال الحاكم العسكري النظر إلى المختار، ثم أطل برأسه من شباك الجيب، وهو يقول بشماتة: كيف حالك يا مختار؟
ودون أن يعدل المختار من جلسته، رد بغضب وحقد: زي الزفت يا خواجة.
ابتسم الحاكم العسكري بخبث، وقال: لماذا يا مختار؟
قال المختار: لم تكتفِ دولتكم باحتلال أرضنا، وتشريدنا، وتهجيرنا حتى صرنا من سكان المخيمات، ننتظر المساعدات، بل تلاحقنا دولتكم حتى شوارع المخيم، تطاردنا دولتكم حتى أطراف التاريخ، وتقتلنا، وتعتقل شبابنا، وبعد كل هذا، تسألني عن حالي، حالي كحال الزفت المغلي، الذي سيتفجر في وجوهكم يومًا ما.
لوى الحاكم الإسرائيلي رأسه، وانصرف، ولم يحسب حسابًا للأيام التي سترجمه بعُدي التميمي وأمثاله من ملايين الحاقدين.