قبل ثلاثة وثلاثين سنة، وبحضور الشهيد صلاح شحادة، والشيخ بسام أبو الريش، دار بيني وبين الشيخ أحمد ياسين حواراً في معبار سجن الرملة، عن انتفاضة الحجارة، وأسبابها، وتطورها، ونتائجها، يومها قال الشيخ أحمد ياسين: كل أربعين سنة تتغير معالم الواقع، ويأتي جيل لا يحمل خطايا وآثام الجيل الذي سبق، وضرب مثلاً بأربعين سنة تاه فيها اليهود في سيناء، بعد خروجهم من مصر، إذ اختفى عن المشهد كل أولئك الذين أثقلت حركتهم الآثام، وولد جيل جديد، جيل آخر، قادر لا يتحلل من أوزار السابقين، ويواصل المشوار.
منذ سنة 1948، تاريخ النكبة الفلسطينية، وحتى 1987، جرت في النهر السياسي الفلسطيني مياه كثيرة، واكتمل التجديد، فكانت انتفاضة الحجارة، التي تآمروا عليها، وأشغلوها بالانقسامات والخلافات، قبل أن يسيطروا عليها دون أن تحقق ما رمت إليه من أهداف.
2022، الشعب الفلسطيني أمام جيل جديد، جيل لا يحمل خطايا وفشل الأجيال السابقة، التي خدعوها من خلال التحاق البعض بالوظائف الرسمية، والتحاق آخرين بأجهزة أمن السلطة، والزج بمن عارض إلى داخل أقبية السجون الإسرائيلية، بحجة إنقاذ المشروع الوطني، وقد تمت الموافقة على ترتيبات سياسية، تقوم على إجراء الانتخابات، وإعادة تشكيل قيادة منظمة التحرير، بحيث تضم الكل الفلسطيني.
اليوم، يقف الشعب الفلسطيني أمام حقائق جديدة، وواقع يبشر بجيل فلسطيني جديد، جيل لا يحترم اتفاقية أوسلو، ولا يعترف بها، جيل يحتقر التنسيق والتعاون الأمنين، ويراه مصيبة، وأساس الخطايا السياسية التي تعصف بالمنطقة، جيل يؤمن بحقه في وطنه حراً كريماً، بعيداً عن تقديس الشخوص، وبعيداً عن عبادة الأسماء والرتب والقيادات التي جرفت القضية الفلسطينية إلى مستنقع الفشل.
على أرض الضفة الغربية تنمو وتكبر شخصيات قيادية، استمدت ثقة الشارع بها من خلال الميدان، وفعل المواجهة اليومي، وهذه القيادات والشخصيات لا تقتصر على الجيل الجديد الصاعد، وإنما تضم قادة ورتب عسكرية من الأجهزة الأمنية، أولئك الذين أدركوا الحقيقة، ولم يهن عليهم وطنهم، واكتشفوا أن وجودهم وسط شعبهم، وفي مقدمة المقاومين، وليس على هامش الراتب، وانتظار الرتبة، هؤلاء القادة من ضباط وجنود في الأجهزة الأمنية، تم إعدادهم لقمع شعبهم، وتمهيد الأرض أمام الاحتلال الإسرائيلي ليبسط نفوذه وسيطرته على الأرض والشعب، وهذا ما يرفضه ضباط وجنود الأجهزة الأمنية، لقد رفضوا أن يكون الحذاء الذي يدوس به رجل المخابرات الإسرائيلية على رأس المقاومة، وعلى أحشاء الكرامة الفلسطينية، فانسلخوا عن دورهم الوظيفي إلى الدور الوطني، فإذا بهم القادة والملهمون للثورة والغضب، وإذا بهم على رأس المشروع الوطني الذي تشير بوصلته إلى القدس.
جيل فلسطيني جديد يقود المرحلة في جنين ونابلس، ويخوض حرب التحرير بجرأة، جيل يوجد في بيت جالا وبيت لحم وطوباس وسلفيت ودورا وأريحا وحلحول وبيت فوريك وبيت أمر، وفي كل قرية ومخيم ومدينة في الضفة الغربية، جيل تعبأ بالكرامة، واكتملت لديه رؤية المشهد الفلسطيني، وأمست المفاضلة واضحة بين جيل يضع يده في جيب الاحتلال، وهو مطأطئ الرأس، وجيل يضع يده في جيبه، ليشهر مسدس المقاومة، وهو مرفوع الرأس.