ما زال ركام شقق عائلة "زيتون" في مكانه يذكّرهم كل لحظة بحلم "السترة" لأبنائها وأحفادها، لكن الاحتلال لم يجعلهم يهنؤون يومًا بهذه الشقق، فقد انهالت عليهم بسيلٍ من المخالفات والغرامات الباهظة التي أثقلت كاهلهم حتى وصلوا إلى طريق مسدود وهو "الهدم القسري".
ففي منزلها في منطقة "بئر أيوب" في بلدة سلوان جنوب القدس المحتلة تعيش الحاجة ماجدة سعيد زيتون منذ ما يزيد على الثلاثين عامًا، تحارب للاحتفاظ ببيتها الذي يريد الاحتلال هدمه بذريعة "عدم الترخيص" حتى ضاق على مَنْ فيه بعد زواج أبنائها وإنجابهم.
فلم يكن أمام العائلة سوى أن تلجأ منذ ستة سنوات لبناء شقتيْن، وتقول: "بشق الأنفس وضم القرش إلى القرش انتهيا من البناء، لكن الاحتلال لم يتركهما يومًا يهنآن فيها".
فقد صبَّ الاحتلال المخالفات صبًّا فوق رأس العائلة، التي لم تعد قادرة على دفع المخالفات الباهظة على البيوت الثلاثة، تضيف: "لقد أوقع الاحتلال بحق أبنائي مخالفات قدرها ستون ألف شيكل، بجانب اللف والدوران في محاكم الاحتلال لإيقاف الهدم والتي باءت جميعها بالفشل والتي أرهقت جيوب أفراد العائلة".
فهذه الصولات في محاكم الاحتلال الظالمة انتهت بقرارٍ من "المحكمة العليا" للاحتلال يوجب هدم شقتيْ "موسى ونافذ"، وخيّرتهم بين الهدم الذاتي أو أن تأتي قوات الاحتلال للهدم، "هاتفني أحد الضباط وطلب منا هدم الشقق وإلا فإننا سندفع ثمن هدمهم لها، مؤكدًا لي أننا لن نستطيع دفع تلك التكاليف لأنها ستكون باهظة جدًا".
أمر شاق جدًّا
ترافق هذا الحدث مع كون العائلة ما زالت مشغولة بالإصابة الخطِرة لنجلها خالد 17 عامًا، الذي أصيب في إثر اشتباكات بين المقدسيين وقوات الاحتلال في المسجد الأقصى خلال معركة "سيف القدس".
وكان خالد قد أُصيب بكسر في الجمجمة وفي الوجه، والعائلة تقوم برعايته، لتُفاجأ بأن قوات الاحتلال أمهلتهم حتى الرابع عشر من مايو/ أيار لتنفيذ أمر الهدم، وباءت محاولات المحامين لتأجيل الأمر بالفشل.
فلم يكن أمام العائلة بُدًّا سوى اللجوء لـ"الهدم الذاتي" في ظل خياريْن أحلاهما مُر، "لم يكن الأمر بالسهل أبدًا بل كان شاقًّا جدًّا علينا ونحن نرى أبنائي يفقدون "تحويشة عمرهم" ويهدمون بيوتهم بأيديهم"، تقول أم نافذ.
وتتابع: "لا يمكن أن يشعر أحد بصعوبة ألم أن تهدم بيتك بيدك سوى المقدسيين الذين تُوقع بحقهم هذه العقوبة الإسرائيلية القاسية التي لا مثيل لها في العالم".
ولكون إيجارات البيوت في القدس مرتفعة جدًّا فلم يكنْ أمام ابنها موسى الذي يعيل خمسة من الأبناء سوى العودة للعيش في شقة صغيرة لأحد أشقائه "ملحقة بشقة والديْه" في انتظار الفرج وحلٍ لا يعرفون متى قد يأتي في ظل تصاعد استهدافات الاحتلال لبيوت المقدسيين في حي البستان.
وتشير زيتون إلى أن ما ألمّ بأبنائها من خسارة لبيوتهم وإصابة ابنها خالد أدى لإصابة زوجها بجلطة أدت لإصابته بشلل نصفي، من الحزن والتعب النفسي.
ولم تتوقف معاناة العائلة بهدم شقق أبنائها، فما زالت المداولات في محاكم الاحتلال دائرة حول شقة "الحاجة ماجدة" التي تصر قوات الاحتلال أيضًا على هدمها ويتم تأجيل الهدم منذ سنوات عدة، تقول: "لقد أنهكونا ماديًّا حتى أننا غير قادرين على إزالة ركام شقق أبنائي لكون الأمر مكلفًا ماديًّا، فهو باقٍ أمامنا كشاهدٍ على إجراءات الاحتلال الظالمة بحقنا كعائلة وكمقدسيين لا ذنب لنا سوى تمسكنا بأرضنا التي ترعرعنا فيها".
أما ابنها نافذ "الذي فقد شقته" فيبين شعوره بالعجز والقهر بعد أن حُرم وأبناؤه من شقتهم التي حلموا بها طويلاً ولم يبقَ لهم منها سوى الغرامات والديون والركام!".
ويقول: "منذ لحظة الهدم وأنا أعيش في ضيقٍ أنا وشقيقي وأبنائنا، حيث لم نجد أمامنا مفر سوى العيش مع والديْ في شقتهم الضيقة أساسًا، لك أن تتخيل حياتنا ونحن قرابة عشرين فرداً في شقة صغيرة".
ويتابع: "فإيجارات البيوت في القدس مرتفعة جدًا، قد تتجاوز الألف دولار شهريًّا وهذا أمرٌ لا نطيقه، وفي نفس الوقت لا نريد الرحيل من القدس مهما كانت الصعوبات التي تواجهنا".