فلسطين أون لاين

يدفع ثمنه على كرسي متحرك

حاتم أبو ريالة.. دفاع مستميت عن وجود مقدَّس

...
حاتم أبو ريالة أمام منزله المدمر
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

عاش الفلسطينيون النكبة في 1948م ولا يزالون يتجرعون مرارتها حتى اليوم، لكن المقدسي حاتم أبو ريالة عاشها سبع مرات منذ هدم الاحتلال الإسرائيلي بيته في القدس المحتلة للمرة الأولى عام 1999م، وفي كل مرة يُصر على إعادة بنائه رافضًا الانكسار.

معركة لا تزال رحاها قائمة بين أبو ريالة (43 عامًا) والاحتلال الإسرائيلي، فهو يخوض حتى اليوم غمار دعاوى قضائية لإثبات ملكيته للبيت الواقع في بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة محاولًا إصدار ترخيص له لكن دون جدوى، ليباغته جنود الاحتلال مرارًا ويطوقون بيته ويهدمونه فجأة وتبدأ رحلة تشرده وعائلته.

وبدأت الحكاية عام 1999م، أراد أبو ريالة -كأي شاب- أن يبني بيتًا في إطار تخطيطه للزواج والاستقرار، لكن الاحتلال لم يسعفه من أجل تحقيق ذلك فسرعان ما هدمه.

يقول أبو ريالة لـ"فلسطين": "في ذلك الوقت كنت لا أزال شابًّا في مقتبل العمر لم أتجاوز العشرين عامًا، كان الأمر موجعًا لأنهم أعادوني إلى نقطة البداية، ومن يعشْ في القدس يعلم مقدار المعاناة المضاعفة التي يحياها المقدسي حتى يبقى صامدًا على أرضه".

ويتابع: "عزمت على إعادة بنائه من جديد، ولكنهم لم يتركوا لي فرصة للعيش فيه فهدموه للمرة الثانية عام 2001م، ومرةً ثالثة في عام 2003م، فكنت أعيش رحلة التشرد والتهجير مرة كل عام تقريبًا، ويعيدونني إلى نقطة الصفر، ولكن لم أستسلم يومًا بل كنتُ أُعيد البناء في كل مرة".

 بعد عملية الهدم الثالثة قرر أبو ريالة الزواج لبناء أسرة، وأعاد بناء بيت أحلامه الذي ضمّ بين جنباته ذكريات سعيدة تمثّلت بإنجاب ابنيه: أنس، ودانية، ولكن لم يمضِ على زواجه كثيرًا حتى تفاجأ بجنود الاحتلال يطوقون بيته، دون تسليمه أمر هدم، ليدمروه للمرة الرابعة عام 2009م.

شلل نصفي

لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فقد كان يومًا مفصليًّا في حياته، ففي خضم عراكه مع جنود الاحتلال الذين تفاجأ بآلياتهم أسفل بيته أصابته حالة من "الهياج العصبي"، فوقف لهم على شرفة مفتوحة في بيت مجاور لبيته، ليمنعهم من تنفيذ عملية الهدم، وإذا به يسقط من علو على الأرض ويُصاب بكسر في العمود الفقري.

وفي إثر هذا السقوط أُصيب بشلل نصفه جعله قعيدًا على الكرسي المتحرك، مع فقد بيت أحلامه الذي قضى ست سنوات في بنائه وتجهيزه بأفخم أثاث ليحقق رغباته وزوجته وأطفاله.

ويشير أبو ريالة إلى أنه في المرات السابقة كان يعود للإقامة لوحده في بيت والده، ولكن في هذه المرة أصبح مشردًا مع أطفاله، فعادت زوجته وأطفاله إلى بيت أهلها، حتى يبحث عن مكان آخر يؤويهم.

ويلفت إلى أنه في كل مرة يعيد فيها بناء البيت ناشدًا الاستقرار ويتمنى ألا يعيش رحلة التشرد من جديد، ولكن الاحتلال يصر على كسر إرادته حتى يرحل عن أرضه.

ولمضاعفة حجم الأذى النفسي، كان الاحتلال الإسرائيلي يفرض على أبو ريالة هدم بيته بنفسه، أو تكبُّد غرامة مالية باهظة إذا قامت البلدية بهدمه، ولكن في كل مرة كان يرفض تنفيذ هذا الأمر، قائًلا: "كيف يمكنني أن أهدم شقا عمري بيدي؟!".

وفي المرة الخامسة هدم الاحتلال بيته في عام 2019م ورغم كل المخالفات التي تراكمت عليه، إلا أنه أصر على بنائه مجددًا وبعد أقل من 13 شهرًا فقط هدمه الاحتلال للمرة السادسة في مارس 2021م، وبدأت رحلة تشرد جديدة.

يتحدث: "في هذه المرة أيضًا تفاجأتُ بالآليات والجنود يطوقون البيت، ودون إبلاغي مسبقًا أو حتى إمهالي لإخراج الأغراض المهمة من البيت، أو حتى بعض الأثاث الذي دفعت مبالغ كبيرة ثمنًا لها".

ويردف أبو ريالة: "يهدفون إلى اقتلاعي من أرضي، حتى تبقى فارغة لهم ويسيطرون عليها، ويبنون فيها بيوتًا للمستوطنين، أما نحن أصحاب الأرض فيطلبون منا تراخيص وإثبات ملكية ويرفضون في النهاية منحنا إياها بل يطلبونها لتعجيزنا فقط".

والنكبة السابعة التي عاشها أبو ريالة كانت مطلع يونيو 2022 م الماضي، حيث تفاجأ بآليات الهدم أيضًا، رغم أنه نفّذ كل الشروط التي فرضتها "بلدية" الاحتلال في القدس عليه، وعلى رأسها تغيير المهندس المسؤول عن مخطط الترخيص لبيته ما أفقده كل المبالغ الكبيرة التي دفعها سابقاً وأعاده لنقطة الصفر.

غرامات بآلاف الشواقل

ويتابع أبو ريالة: "دفعت نحو 85 ألف شيقل حتى اليوم لمهندسي التراخيص، و162 ألف شيقل مخالفات هدم، حتى وصل بهم الأمر للحجز على حسابي البنكي وكل أملاكي".

ويعيش أبو ريالة حاليًا أوضاعًا صعبة، ما بين عائلته المشردة وعجزه عن تأمين سكن يلم شملهم، وما بين دفع الغرامات والمخالفات التي فرضها الاحتلال عليه، والالتزامات المالية والديون التي تراكمت خلال مدار السنوات الماضية حيث كان يستدين من أجل إعادة بناء منزله.

تساءلنا عن سر صبر أبو ريالة وعزمه في كل مرة على البناء من جديد، فقال: "المشهد المؤلم للركام في كل مرة كان يعطيني دافعًا لإزالته، وإنشاء المنزل من جديد والإصرار على الوجود في القدس، وأستمد صبري من يقيني بأن مأساتي هي مأساة أهل القدس جميعاً".

ويختم حديثه: "23 عامًا أناطح الاحتلال لوحدي، في لحظة يجعلون كل شيء سراب، نحن اليوم مشتتون بين عائلتي وعائلة زوجتي، ولكنني سأبني البيت من جديد، يريدون كسر عزيمتي، ولكنهم لن ينجحوا".