فلسطين أون لاين

معضلة إسرائيلية متفاقمة يفرضها الحريديم

لم يعد سرًّا أن القطاع الديني المتشدد، المعروف باسم "الحريديم"، يزداد نفوذا في دولة الاحتلال، ويتضح ذلك من تنامي المواقع التي يتصدرها في المؤسسات الحكومية، حيث يصل عدد مؤيديه قرابة 1.226 مليون، بنسبة 13٪ من بقية اليهود، ومع ذلك فإن هناك ثلاث قضايا مركزية تشكل القاسم المشترك في محور الخطاب العام الخاص بهم.

أولى هذه القضايا المشاركة غير المتساوية لهم في سوق العمل الإسرائيلي، بزعم انشغالهم في دراسة التوراة فقط، وثانيها معارضة تدريس المواد الأساسية في المؤسسات التعليمية للبنين، بسبب تفضيل المسار التعليمي "التوراة فقط"، وثالثها تجنب التجنيد في الجيش والخدمة العسكرية.

مع العلم أنه على مدى العقود الماضية، استثمرت دولة الاحتلال موارد هائلة من أجل زيادة اندماج الحريديم في مؤسساتها، ولا سيما في مجالات التوظيف والتعليم، لكن المؤشرات السائدة تشير إلى أن هذه الاستثمارات الضخمة بعيدة كل البعد عن تحقيق النتائج المتوقعة، ما يعكس خيبة أمل واسعة لدى دوائر القرار الإسرائيلي. 

في المقابل، فإن هذه التحركات الحكومية واجهت معارضة شديدة من الحريديم أنفسهم، ولعل سبب ذلك، وما أسفر عنه من عدم نجاح الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، يكمن في جملة من الماكينزمات الدفاعية التي تحصنوا خلفها، أولها رغبتهم الصارمة بالبقاء في حالة عزلة كاملة عن بقية اليهود، بسبب خوفهم مما يسمونه "خطر التدين الخارجي" لدى الباقين، وثانيها التفاني في دراسة التوراة فقط، وليس سواها، وثالثها الطاعة المطلقة للقيادة الحاخامية، وتقديمها على طاعة الدولة!

لا يُخفي هؤلاء الحريديم أن وجهة نظرهم التي تبدو غريبة، أن هذه المبادئ الأساسية الثلاثة مستمدة من مصدر سلطة إلهية، وبالتالي فهي محصنة ضد النقد، حتى من الدولة ذاتها، وتتطلب طاعة كاملة، إلى حد التضحية الكبيرة، ونتيجة لهذا الالتزام، يفضل العديد من الحريديم ما يصفونه "الفقر المقدس" على الحصول على التعليم والانضمام لسوق العمل، وصولا لمعارضة الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال.

في الوقت ذاته، فإن النهاية التي يهرب منها هؤلاء الحريديم أن نظرتهم المتشددة السائدة في الاندماج مع بقية المجتمع الإسرائيلي تتراوح بين كونها خطوة حتمية مقبولة من وجهة نظر دينية، أو خطوة لا ينبغي اتخاذها إلا من خلال الإكراه وعدم الاختيار، في وقت لاحق.

هذا التصور هو السبب الرئيس لعدم حدوث اختراق في مجال اندماج الحريديم في بقية مؤسسات دولة الاحتلال رغم الاستثمارات الضخمة التي قدمتها، ما يعني عدم وجود مخرج من هذا المأزق، بالتزامن مع ظهور ما يمكن تسميته تيار الحريديم "المتجدد"، وهو ليس واسع النطاق، أمام سيطرة التيار التقليدي على كل الأتباع والأنصار.