بدا لافتًا ومستغربًا مطالبة قائد شرطة الاحتلال كوبي شبتاي بحجب شبكات التواصل في حالة حدوث احتجاجات داخلية، وبمجرد ظهور الخبر، امتلأت الصحف بالإدانات من جميع أركان الخريطة السياسية؛ الائتلاف والمعارضة، رغم أنه قصد فلسطينيي الـ48 الذين قد يتحركون في هبة شعبية جديدة على غرار هبة مايو/رمضان 2021.
ما زال الإسرائيليون يعيشون تبعات وآثار تلك الهبة التي عبر فيها فلسطينيو الـ48 عن هويتهم الحقيقية الوطنية، من خلال رفع الأعلام الفلسطينية، والتضامن مع أشقائهم في القدس والأقصى والضفة وغزة، ومهاجمة المستوطنين، وكأنهم وصلوا إلى لحظة الحقيقة التي يجيبون فيها عن سؤال المفاضلة القديم الجديد: هل أنا إسرائيلي أم فلسطيني؟
مع العلم أن أجهزة أمن الاحتلال ودوائره السياسية شكّلت لهم الإجابة الطبيعية عن هذا السؤال مصدر غضب وإحراج، لأنها حملت دلالة لا تخطئها العين مفادها فشل وإخفاق عمليات غسل الأدمغة الذي مارسوه على فلسطينيي الـ48 خلال ما يزيد على سبعة عقود متواصلة، مع أن توقع أن يقدموا إجابة مغايرة كان غير واقعي.
يهرب الإسرائيليون من تبعات تلك الهبة، والخشية من تكرارها، فبدلاً من محاولتهم فهم مصادر التوتر الذي يعيشه فلسطينيو الـ48، فإنهم يكتفون بإدانتهم، واتهامهم بتلقي تعليمات من الضفة وغزة، وارتكاب مخالفات أمنية، وإصدار أحكام قضائية ضدهم، وزيادة صلاحيات الأمن والجيش في مناطقهم، ما جعلها بؤرة متوقعة لمزيد من العواصف والاحتجاجات القادمة.
الغريب فعلًا أن دولة الاحتلال التي تتشدق بالمساواة بين مواطنيها ما زالت تعامل فلسطينيي الـ48 على أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة، وليس الثانية أو الثالثة، فهذه مراتب محجوزة لليهود الشرقيين والفلاشا، في حين يتصدر اليهودي الغربي الأشكنازي المرتبة الأولى منذ إقامة الدولة في مشهد عنصري يتكرر منذ أكثر من أربعة وسبعين عامًا.
ترفض هذه الدولة الاعتراف بأنها لا تعترف بهوية فلسطينيي الـ48 الوطنية، بل تواصل ممارسة التمييز ضدهم في جميع مجالات الحياة على أساس جنسيتهم وقوميتهم، في حين ما زال استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر يضعهم في موقف لا تخطئه العين بجانب أشقائهم في الأراضي المحتلة، وهم يرون أن الدولة المقامة على أنقاض أراضيهم تخوض صراعًا عنيفًا ودمويًا مع أبناء شعبهم، وتدير ضدهم نظام احتلال وسيطرة عسكرية، بل تفرض حصارًا عليهم.
في مثل هذا الواقع، من المتوقع والطبيعي أن يصطف فلسطينيو الـ48 بجانب أشقائهم، إذ يختارون الانسجام مع مكونات هويتهم القومية، وأي اصطفاف لهم، كما تأمل دولة الاحتلال، لن يكون غير طبيعي فقط، بل غير واقعي، وقد يكون مدمرًا لهم، وبجانب ذلك يزداد شعورهم بالغربة عن هذه الدولة، بعد أن توهمت بأنهم سيتنازلون عن هويتهم القومية مقابل بعض الامتيازات الشكلية، والنتيجة أن مثل هذه التوترات ستجد طريقها كي تطفو على السطح بين حين وآخر.