فلسطين أون لاين

ماذا يتوقّع الاحتلال من الشعب الفلسطيني.. كتلة بشرية لا طعم لها ولا لون مثلًا؟

هل يتوقّع مثلا أن يتحلّل الفلسطينيون من قضيتهم، وأن يصبحوا كمّا بشريا لا همّ لهم سوى تحسين أوضاعهم المعيشية ما استطاعوا لذلك سبيلا؟ أن يتخلّوا عن القدس ومقدساتهم فيها، أن يتخلّوا عن الدولة والسيادة على الأرض وفي وطن معروف الحدود والمعالم، أن يتخلوا عن قيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان التي يعترف بها كلّ البشر، ومقابل ذلك أن يتماهى وينسجم مع السياسة الإسرائيلية وما يريدونه للشعب الفلسطيني، أن يرضخ ويكون طيّعا لينا سهل المراس يكون حيث يريدون له أن يكون، يتنفّس من هوائهم النكد والوسخ ولا يحيد قيد أنملة عن مزاجهم العكر.

يريدون منا أن نترك لهم الجمل وما حمل، أن نخلّي بينهم وبين فلسطين كل فلسطين، كي يفعلوا بها ما شاؤوا وما يحلوا لهم ثم بعد ذلك يبسطوا نفوذهم على المنطقة بأسرها لتكون لهم السيادة والسقاية والرفادة فتأتمر المنطقة بأمرهم ويرتّبون لها كل ما يخدم مصالحهم الأمنية والسياسية والاقتصادية بسطوة العربدة العسكرية والتفوّق الكبير فيها، ولو وصلوا إلى كلّ هذه الأهداف لما توقّفوا ولما كان لهم من حدود لمطامعهم وغاياتهم المنحرفة. 

وكان لمسار التسوية هذه النهاية المأساوية التي قرّبتهم كثيرا من أهدافهم وأبعدتنا كثيرا عن أهدافنا، فقد شهد الاستيطان توسّعا كبيرا، وزادت وتيرة الاعتداءات على الأقصى وتمادوا كثيرا في تهويد القدس، وتمادوا بكل أشكال التوحّش والعدوان من قتل واعتقال ومداهمات وتضييق الخناق على كلّ مفاصل الحياة الفلسطينية وشطبت كل أوهام تحقيق سلام عادل عند الذين توهَّموا ذلك، لم يعد هناك من يتحدّث عن مشروع التسوية وإمكانات الحلّ مع هذا الجنس من البشر. لم يعد هناك أيّ أفق لأي تسوية بل أصبحت في نفق مظلم لا مخرج منه وأصبح من يؤمنون بها دون أي بارقة أمل فما بالنا بالذين لا يؤمنون بها أصلا؟

والآن وبعد أن وصل القطار المتهالك إلى محطته الأخيرة ولم يعد بالإمكان إعادة تشغيله ووضعه على السكة من جديد، ماذا يريد الاحتلال من الشعب الفلسطيني؟ هل تحوّل من حالة حلّ الصراع إلى حالة حسم الصراع إلى صالحه مائة بالمائة؟ وهل هذا ممكن؟ هل يتوقّع الآن من الشعب الفلسطيني أن يرفع راية الاستسلام؟ ماذا يقول التاريخ الذي يروي لنا ما جرى مع الشعوب المستعمرة؟ هل ألقت السلاح ونجح الاستعمار في تذويبها في سياساته؟ ماذا تقول لنا الأحداث الساخنة التي تشهدها فلسطين كلّ يوم؟ ماذا تقول غزّة والتي أصبحت بمنزلة الضرس الموجع للاحتلال أو المنجل الذي بلعه ولم يعرف كيف يخرجه أو كيف يتمّ بلعه؟

يجب أن نعرف موضوعيًّا ماذا يريد الاحتلال بعد كلّ هذا المسار الذي جعلنا على محجّة بيضاء، لا لبس فيها البتّة، وما آلت إليه أمورهم من ازدياد كبير في العنصرية والتوحّش وضرب كل الحقوق الفلسطينية وضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات، الأمور باتت واضحة فيما يريدونه منا فهل تصبح واضحة لدينا في ماذا نريد بكل دقّة ووضوح؟