فلسطين أون لاين

تبعات الفوضى الإسرائيلية الداخلية على استقرارها السياسي

بجانب المشكلات الأمنية والتحديات العسكرية التي تواجه دولة الاحتلال، لا تخفي الأخيرة أن خوضها بعد أسابيع قليلة لجولة انتخابات مبكرة هي الخامسة في ثلاث سنوات ونصف، يعتبر أدق توصيف عما يمكن اعتباره حالة سافرة وفجّة من عدم الاستقرار الحكومي، بما يحطم أرقاماً قياسية جديدة. 

مع العلم أن هذه الحالة من عدم الاستقرار السياسي لا تشكل ظاهرة إسرائيلية جديدة، رغم أنها باتت تميز السنوات القليلة الماضية، بل هي مشكلة مزمنة للنظام السياسي الإسرائيلي، لكنها أصبحت متطرفة للغاية في الآونة الأخيرة، حتى إن آخر انتخابات مستقرة للكنيست جرت في عام 1984، ومنذ ذلك الحين، لم تشهد دولة الاحتلال حالة جدية وحقيقية من الاستقرار السياسي والحزبي والحكومي، حيث جرت العادة أن يتم تقديم مواعيد الانتخابات، كما في أعوام 1999 و2006 و2009. 

لم يعد سرا أن حالة عدم الاستقرار هذه سببت لدولة الاحتلال أضرارا هائلة، تعلق أحدها بعمل الكنيست، المناط به وظيفة التشريع وسن القوانين، ولأنها عملية معقدة، فإن حل الكنيست بين حين وآخر يعني تعطل غالبية القوانين لعدة أشهر، فضلا عن توقفها تمامًا، خاصة وأن جميع المسؤولين الحكوميين يدركون جيدًا أنه في أي لحظة يمكن لحزب صغير أو حتى أعضاء كنيست فرديين مغادرة الحكومة، وجرّ الدولة إلى انتخابات مبكرة. 

ضرر آخر ينتج عن حالة عدم الاستقرار في دولة الاحتلال يتعلق بأن الوزراء وأعضاء الكنيست يصبحون مهتمين فقط بتحقيق إنجازات فورية، خلافا للحاجة الحقيقية للدولة، المرتبطة بالتخطيط طويل الأمد في مجالات مثل التعليم والصحة والإسكان والمناخ والنقل، فضلا عن تضرر قدرة الكنيست على مراقبة الحكومة، لأن الكل منشغل بالذهاب لصناديق الاقتراع، والخوف من انخفاض معدلات التصويت، والتعامل مع حالة الاستقطاب السياسي المتزايد.

ضرر ثالث يرتبط بامتلاك الأحزاب الصغيرة قدرة ابتزاز رئيس الوزراء والحكومة، وإلا سيتم حل الكنيست، ولعل نموذج نفتالي بينيت الأخير حين أصبح رئيسا للحكومة وهو يترأس حزبا لا يزيد عدد أعضائه في الكنيست على خمسة، أوضح دليل على ذلك؛ ما يشير إلى أن وجود العديد من الأحزاب الصغيرة يجلب مزيدا من عدم الاستقرار. 

لا يخفى على كاتب السطور وقرائها كيف أن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في دولة الاحتلال أسفرت عن نشوء أحزاب ائتلافية سرعان ما تفككت، ولم تصمد، من بينها القائمة العربية المشتركة، ميرتس- غيشر، أزرق- أبيض؛ البيت اليهودي، يمينا، وكلها شواهد على أن هذه الكتل الحزبية إنما تسهم في مزيد من حالة عدم الاستقرار، الأمر الذي يجعل الإسرائيليين في حالة ذهاب وإياب إلى صناديق الاقتراع خمس مرات خلال أقل من أربع سنوات، وهذه لعمري حالة مزرية من التدهور السياسي الذي سيترك تبعاته بالتأكيد على مستقبل الدولة ذاتها.