فلسطين أون لاين

ما الذي يدفع الأسرى لخوض معركة الإضراب المفتوح عن الطعام؟

المعتقل عبد الباسط معطان مريض سرطان تكرّر اعتقاله الإداري بوحشية منقطعة النظير، فما إن يطلق سراحه حتى يعاد بعد فترة وجيزة وكأنه معتقل دائم، بين الحين والآخر يأخذ إجازة خارج السجن ثم يعيدونه إليه، بعد أن يمرّ في نفق التجديد تلو التجديد، كلما أنهى حكما وأراد أن يخرج أعيد إلى السجن، معاناة نفسية له ولأهله إضافة لآلام مرض السرطان والإهمال الطبي الذي يتركه صريع الألم والقهر أضعافا مضاعفة، ترى بأمّ عينك كيف يصبّ التوحش الصهيوني بكلّ أثقاله على رأس المعتقل، والأدهى وأمرّ دون لائحة اتهام، يدخل المعتقل هذه الدوّامة المريعة ويخرج منها دون معرفة السبب، يتذوّق مرارة الظلم والطغيان المتوغّل في حياته فلا يذر فيها مساحة إلا وملأها بسواده الحالك. وعبد الباسط يشكّل مثالا وحالة من حالات كثيرة بلغت مأساويتها عنان السماء دون أن تحرّك ساكنا أو يظهر بريق أمل يعيد لها فرصة العيش الإنساني الخالي من بؤس الاحتلال ولو لهنيهة من الزمن. 

لذلك عندما يقرّر المعتقلون الإداريون الإضراب عن الطعام مثلما يجري هذه الأيام من دخول ثلاثين معتقلا الإضراب منذ اثني عشر يوما يكون قرارا في منتهى الصعوبة، فإما أن ترضخ لسياسة هذا الاعتقال وتتلقى مآسيه أنت وأهلك ومجتمعك برحابة صدر وتلقي سلاحك جانبا مستسلما لرعونة الاحتلال وغطرسته وصلفه وبطشه الذي لا حدود له، وإما أن ترفع سلاحك عاليا، وهو أمعاؤك وصبرك وجلدك وقوة إرادتك وإيمانك بعدالة قضيتك، عليك أن تُسكت صراخ الجوع في أعماقك، وأن تعضّ على نواجذك وأن تتحمّل ما لا تتحمله الجبال وأن تكون صخرة منيعة في وجه ريحهم السوداء.

هكذا إذن يتّخذ الأسرى خيار ذات الشوكة، خيار إنسانيتهم وروحهم العالية في مواجهة الطغيان الأسود الذي تنضخ منه القلوب الحاقدة المحيطة بهم بأسوارها المنيعة العالية. وماذا يملكون في جعبتهم سوى هذا السلاح، وهم بذلك يراهنون على أن تحرّك أمعاؤهم الخاوية سواعد المواجهة مع المحتلّ خارج السجن، فآلامهم تحرك الشارع وتُخرج ما فيه من قوة وبأس، وهذا الذي يدفع الاحتلال ليعيد حساباته معهم فيستجيب لمطالبهم ويخفّض من سقف الاعتقال الإداري، وذلك مرهون بحجم حركة الشارع. 

فالدافع إذن للمضربين هو أنهم أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ السكوت وتمرير الاعتقال بصبر جميل، وأن نتلقّى هذه العصا الغليظة بصمت، وقد قضى كثير من المعتقلين الذين سلّطت عليهم هذه العصا المرة تلو الأخرى ما يزيد على نصف أعمارهم، فباجس نخلة مثلا قضى أكثر من عشرين عاما وعبد الرزاق فراج والشيخ حسن يوسف وجمال الطويل وأحمد قطامش وسامي حسين والقائمة طويلة جدا، لذلك ولكي لا يواجه المعتقلون ذات المصير كان لا بدّ من أن يشهد هذا الميدان بين الحين والآخر هذه الإضرابات وكان في هذا السياق إضراب الثلاثين هذه الأيام.

إنها معركة قاسية وصعبة، ولكن لا بدّ منها فهو الخيار الذي مهما بلغت مرارته هو الأقلّ مرارة من تلك العصا التي يصر الاحتلال عليها في وجه النخبة النشيطة في المجتمع الفلسطيني ليدفعهم للانتحار السياسي والثقافي والنضالي، وبالتالي دفع المجتمع بأسره ليكون طيّعا متعايشا مع الاحتلال وكل ما فيه من مآسٍ ودمار.