ما زالت أوساط الاحتلال مصابة بالذهول مما شهدته عملية شعفاط، سواء من جرأة المنفذ، الذي ما زال طليقًا بعيدًا عن أيدي جيشه ومخابراته، أو الجبن الذي امتاز به جنوده أمام بسالة المنفذ.
مع العلم أن عملية شعفاط تعني أن المقاومة أخذت أبعادًا متقدمة في استخدام أساليب جديدة ومتطورة في استهداف جنود الاحتلال والمستوطنين، وساعد على حدوثها امتلاك قوى المقاومة المزيد من الوسائل القتالي، ومن أبرز أشكال هذا التطور إطلاق النار على الدوريات العسكرية وقوافل المستوطنين على طول طرق وشوارع الضفة الغربية.
لعل عملية شعفاط بما حملته من معانٍ ودلالات كبيرة تؤكد أن المظهر الغالب على أشكال المقاومة السائدة في الأسابيع الأخيرة، ولعل القادمة أيضاً، هو إطلاق النار والاشتباكات المسلحة التي تطال قوات الاحتلال ومواقعه العسكرية والمستوطنين ووسائل نقلهم ومواصلاتهم، لأنه لا يحتاج لكثير عناء وتخطيط، مقارنة بأشكال العمل الأخرى التي تتطلب الدقة والتخطيط السليمين لضمان نجاح التنفيذ.
تجدر الإشارة أن عمليات إطلاق النار في مختلف أنحاء القدس المحتلة والضفة الغربية تتم يوميًّا، وبشكل كبير نسبياً، مقارنة بأشكال ووسائل المقاومة الأخرى، إذ تحمل الإحصاءات الإسرائيلية والفلسطينية أرقاماً متصاعدة لإجمالي حوادث إطلاق النار التي تتم ضد أهداف عسكرية واستيطانية.
تتنوع هذه العمليات، لتأخذ شكل إطلاق النار على مستوطنة حيناً، وعلى موقع أو برج عسكري حيناً آخر، وعلى سيارة عسكرية أو قافلة استيطانية حيناً ثالثاً، أو أي هدف إسرائيلي يتاح للمقاومين، وقياساً لمستوى هذه العمليات وتخطيطها وطبيعة الهدف الخاص بها تكون نتائجها، فالتخطيط الجيد يقود إلى تنفيذ جيد، وعليه إلى نتائج جيدة في معظم الأحيان، وهو ما كشفته عملية شعفاط.
لعل ما يزيد من قلق الإسرائيليين أن هذا اللون من العمليات يقدر عليه الجميع، إذ لا يقتصر فقط على ذوي الانتماء الحزبي والتأطير التنظيمي والعاملين في كتائب المقاومة الذين تسعفهم وتمكنهم حدود قدراتهم وإمكاناتهم على تخطيط وتنفيذ العمليات الكبيرة، بل يجري الأمر على أي فلسطيني يريد التصدي للاحتلال، فيندفع حائزاً السلاح بداية، لينقض على أي هدف إسرائيلي، عسكرياً كان أم استيطانياً، بأقل قدر من التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تفرض نفسها في سلك العمل المقاوم المنظم.
إن التقدير الذي يلقى قبول جميع الفلسطينيين من هذا اللون من العمل العسكري المقاوم لا غنى عنه للمقاومة، رغم بساطته، وقلة التعقيدات الكامنة فيه، لأنه يكرس شكلاً أساسياً من العمل المقاوم التقليدي، في ذات الوقت الذي يحقق فيه مستوى واسع من الانفتاح الشعبي على الانخراط في المقاومة عبر تبني هذا الأسلوب الذي يقترب من إمكانات وقدرات الجماهير.