يتطور أداء المقاومة في الضفة بالتزامن مع تشكيل مجموعات مسلحة أطلقت على نفسها عرين الأسود، في ظل التوتر والتصعيد الصهيوني الذي يمارسه الاحتلال وينفذ سلسلة من الإعدامات بين المواطنين، ويعتقل ويصيب العشرات، ضمن فترة تشهد صراعًا عنيفًا بين الجيش وعناصر المقاومة الذين نجحوا في تنفيذ سلسلة عمليات بطولية أودت بحياة العديد من الصهاينة، وهو تطور ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية التي شهدت أيضًا العديد من الهبات الجماهيرية في وجه الاحتلال.
هذه الحالة الوطنية التي تشكلت والتي ما زالت تتسع جذورها تشي بأن السيناريوهات التي يطرحها الاحتلال لم تعد قائمة ولن تحقق له الحد الأدنى من الردع أو من تقويض المقاومة وتأثيرها في الحالة الميدانية والأمنية في الضفة، علمًا أن عمليات الاحتلال الهجومية سجلت رقمًا قياسيًّا خلال الثلاثة أشهر الماضية مقارنة باعتداءاته التي تسبق هذه الفترة، على حين أن أوساط صهيونية ما زالت تدعم خيار توسيع العمليات، وهو ما نتج عنه محاصرة بعض منازل المطاردين وقتلهم بدم بارد، واعتقال المطارد سليمان عمران من شرق نابلس بعد اشتباك قارب الثلاث ساعات، إذ وجه نداءً عاجلاً للمقاومين بفك الحصار والاشتباك مع وحدات الجيش والمستعربين الذين حاصروا المنزل، الأمر الذي دفع بعدد من المقاومين النزول إلى ساحة المواجهة وإمطار قوات الجيش بالرصاص، كاستجابة وطنية عاجلة، ونوع من أنواع الوفاء بتثبيت حالة الوحدة الوطنية التي دعا لها فتحي خازم من جنين، ودعت لها عرين الأسود وكل الفصائل المقاومة التي تعمل في الضفة رغم التحديات الأمنية التي فرضها الاحتلال وفرضتها سلطة محمود عباس.
يقظة المقاومين وصلت إلى حماية المخيمات وحراسة الطرق الالتفافية التي يتسلل من خلالها العدو الصهيوني ومستوطنوه، وفي بيان العرين الذي صدر قبل عدة أيام يتأكد لنا كيف يعمل بعض المنشقين عن الإطار الوطني على إدخال المستوطنين للمخيمات والمدن كمحاولة للعبث الأمني في الضفة، وتحميل المسؤولية للمقاومين، لكن سرعان ما كانت يقظة المقاومة حاضرة، وألقت القبض على المجموعة التي تسللت وسلمتهم للسلطة بناءً على تقدير موقف وطني يُحسب للمقاومة وقرار في منتهى الدقة والصواب، وهي رسالة واضحة للاحتلال بأن المقاومة ليست إرهابًا، ولا تمارس قتل الأطفال والنساء، لأنها قائمة على مشروع وطني عقدي، له حدود وأهداف عظمى، ينضوي تحتها القيم والمبادئ الإسلامية.
ومن أوجه اليقظة أن المقاومة استطاعت أن تحدث تغييرًا نوعيًّا في مسار التفكير الإستراتيجي لأبناء شعبنا، ولا سيما البعض من منتسبي أجهزة أمن السلطة الذين باتوا أكثر إيمانًا من ذي قبل، حول التوجه التكتيكي والإستراتيجي والمبني على رؤية شمولية تعزز الواجب الوطني لأبناء شعبنا ومكوناته، سواء كانت فصائلية أو حكومية، وهو ما نجم عنه سلوكًا نوعيًّا لبعض أفراد أمن السلطة الذين استطاعوا تغيير المعادلة في وجه الاحتلال، وهو ما يمكن البناء عليه، واستثماره في ظل الظروف الصعبة التي تتعرض لها المنطقة لعدوان واسع، إذ إن أدوات الصراع التي تشكلت، بحاجة إلى أن نواجهها بمجموعنا الوطني وإرادتنا الصلبة، وفكرنا الصحيح والسليم الذي ينبغي أن يتخلى عن كل ما أفسده التفكك والانقسام.