في مولده صلى الله عليه وسلم دروس وعبر كثيرة يصعب حصرها، ولكل أهل عصر استنباطات من مولد النور والهدى، وخواطر حديثة معاصرة، وأحب في هذه العجالة أن أقف عند درس واحد منها في ضوء عصرنا وزماننا.
كان مولده صلى الله عليه وسلم مولد أمة كاملة، أي مولد أمة محمد، أو أمة الإسلام. والمعنى أن قريش وأمة العرب لم تكن ذات شأن بين الأمم، ولم تكن ذات شأن في ذاتها، لأنها كانت على الشرك، ومن كان على الشرك ليس في ميزان الله شيئًا. وحين بعث صلى الله عليه وسلم في العرب، بدا نجم العرب يعلو بين الأمم، فبمولده ولدت أمة الإسلام بين العرب في جزيرة العرب، وحمل العرب المسلمون راية الفتح ونشر الإسلام بين الأمم في مشارق الأرض ومغاربها، وتحملوا عبء التضحيات من أجل الدين ونشر الدعوة.
يقول أبو الحسن الندوي إذا صلح العرب صلحت أمة الإسلام، وإذا تراجع العرب تراجعت أمة الإسلام، وهو كلام صواب لأنه ينبع من دراسة سيرة الإسلام في جزيرة العرب وخارجها، والمؤسف أنه حين تمزق العرب دولًا في عصرنا الحديث، تمزقت بالتبعية أمة الإسلام إلى أمم، كل أمة في دولة معزولة عن غيرها، ولم تعد جسدًا واحدًا، وروحًا واحدة، وهذا أغرى الاستعمار بالسيطرة على ديار الإسلام، وتعد فلسطين المحتلة من أهم مظاهر تمزُّق العرب وأمة الإسلام.
المولد الذي أنار العالم، وأنار ما بين السموات والأرض، وهدى العرب وغيرهم إلى الحق والتوحيد، وجعل فيهم خيرية لا ينضب معينها البتة، الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم الدين، قول يبعث الأمل في فلسطين وغيرها من البلاد العربية والإسلامية أن العودة للسيادة والريادة قادمة لا محالة، ويجدر بقادة العرب والمسلمين قراءة درس مولده صلى الله عليه وسلم باعتباره مولد أمة العرب، ومولد أمة الإسلام، وأن هذه العودة الجديدة هي بيدهم، بيد قادتهم، وشعوبهم، ونأمل أن تكون عودة الأمة عودة قريبة، وما ذلك على الله بعزيز.