يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يقتحم ويدنس بفرق جنوده وقطعان مستوطنيه المسجد الأقصى المبارك، والقدس بوجه عام، لا يفهم أنهما خط أحمر لدى الفلسطينيين، ويفدونهما بأرواحهم، وهو مستمر في سياسة القتل والاعتقالات والمداهمات بصمت مطبق من المجتمع الدولي، الذي لا يحرك ساكنا، وكأنما يشاركه في إجرامه، لذا ما يفهمه الاحتلال حقًّا لغة القوة المماثلة، وليست لغة المهادنة والاستجداء من على المنابر ومن المفاوضات والتعاون الأمني.
إن تهويد المسجد الأقصى ينبع من المشروع الكبير لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلية، للسيطرة على مدينة القدس التي تعدها عاصمتها الأبدية، حيث تحظى بالأولوية القصوى لدى الاحتلال، وهو مشروع متسلسل يتنامى شيئا فشيئا بناء على الظروف الميدانية والإقليمية، وقدرته على تنفيذه بكل الوسائل والإمكانات المتاحة لديه، وقد يعد القدس والمسجد الأقصى المركز الأساسي للسيادة والسيطرة على فلسطين المحتلة بالكامل، لذا يحاول الاحتلال السيطرة على مدينة القدس من خلال وضع يده على المسجد الأقصى المبارك، بداية بإرسال المستوطنين لاقتحامه بغطاء من قوات الاحتلال، والحفر أسفله، والتحكم في مداخله ومخارجه، وصولا لتقسيمه زمانيا ومكانيا، وهذه القضية أصبحت تتنامى لدى الاحتلال بالذات حينما فقد السيطرة أكثر من مرة على مدينة القدس، وهذا حسب ما ينشره الإعلام الإسرائيلي، في عام 2017 عندما حدثت هبة البوابات الإلكترونية، ذُكر أن الحكومة فقدت السيطرة على العاصمة، وهذه كارثة بالنسبة للاحتلال، لذلك رأينا الاحتلال في السنوات الأخيرة قد جن جنونه، وركز تركيزا كبيرا على مسيرة الأعلام وزيادة وتيرة اقتحامات المسجد الأقصى، وتهجير المقدسيين قسرا، وتهويد الأحياء العربية، وذبح القرابين، وإقامة شعائر تلمودية في باحات الأقصى استفزازًا لمشاعر الفلسطينيين.
لم يقتصر الأمر على التهويد المستمر للقدس من قبل المؤسسة الرسمية الصهيونية، التي تسعى لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وفرض وقائع تهويدية، حيث تدعم سلطات الاحتلال أكثر من 20 جماعة، على رأسهم ما تسمى جماعة “أمناء الهيكل” المتطرفة، التي تهدف إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة “الهيكل المزعوم”، فتعينهم على استخدام النواحي الأيديولوجية الصهيونية، لإثبات أحقيتهم في المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتارة من خلال النفخ في قرون الحيوانات، وتارة أخرى من خلال تقديم قرابين بذبح الحيوانات، وغير ذلك من الخزعبلات التلمودية، الهدف منها تحقيق مكاسب جيوسياسية من خلال إطباق الإحكام الكامل على مدينة القدس لجعلها عاصمتها. من جانب آخر تستغل حكومات الاحتلال الإسرائيلية والأحزاب السياسية المختلفة المناسبات الدينية، بالمشاركة في أعمال العبث في الأقصى، لإحراز إنجازات نوعية على حساب الفلسطينيين، وتوظفها في تحقيق أهدافها السياسية فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية الإسرائيلية.
فعلى مر العقود السابقة منذ احتلالها في عام 1967، لم تُستثنَ مدينة القدس من المزاودة عليها في أي انتخابات إسرائيلية، وهي تشكل نقطة تقاطع تنافسية للأحزاب السياسية الصهيونية في جمع أصوات الناخبين، حيث يستغلون المناسبات والأعياد لزيادة عمليات الاقتحام واستغلال المشاعر الدينية، رغم أن من يحرضون ويتزعمون صفوف المقتحمين أمثال “أرئيل شارون”، الذي اقتحم المسجد الأقصى بتاريخ 28 أيلول عام 2000 ، وكذلك وزير السياحة “رحبعام زئيفي”، والآن نتنياهو، وبن غفير، ومن قبلهم “موشيه ديان” بعد حرب النكسة عام 1967، فهم أشخاص سياسيون وعسكريون دمويون، وليسوا ملتزمين دينيا بالضرورة حسب المفهوم اليهودي، وهم أناس معنيون بالسيادة والهيمنة على الأقصى والقدس لتحسب لهم إنجازات شخصية.
وعلى ما يبدو أن العبث بالأقصى لم يمر مرور الكرام، ولم يكن لقمة سائغة، في ظل تهديد الساحات الفلسطينية بالتصعيد من غزة حتى جنين، وهذا يجعل الاحتلال متخوفا من تمادي المقاومة لتتحول إلى انتفاضة على غرار سابقاتها، لذا تفرض قوات الاحتلال تشديدات أمنية في جميع المناطق الفلسطينية، خلال الأعياد اليهودية، كما تم الدفع بكتائب إضافية من قوات الاحتلال في جميع مناطق الضفة، لتأمين الاحتفالات بالأعياد اليهودية، وهذا يعد تطورا أمنيا غير مسبوق، بسبب شدة موجة تصعيد المقاومة في أرجاء الضفة الغربية المحتلة، دفاعا عن الأقصى والقدس.