لطالما كانت شجرة الزيتون رمزاً لثبات الفلسطيني في أرضه، ولكم كانت تلك الشجرة تعبر عن الأصالة والعراقة الفلسطينيتين، ولقد جسدت الآية الكريمة مدى قدسية هذه الشجرة فقال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
النور الذي ذكره القرآن كأنه كوكب دري يوقد من زيت الزيتون الفلسطيني الذي يكاد يضيء حتى دون أن تمسه النار لشده صفائه، ولذلك كان الزيت الفلسطيني ليس فقط مجرد إدام للطعام، ولكنه بركة في كل مناحي الحياة يشعر بها كل فلسطيني، ويكون حريصاً على اقتنائه.
ارتباط الفلسطيني بالزيتون ضرب في أعماق التاريخ تتناقله الأجيال، وتشهد به أشجار الزيتون الرومية التي غرسها الكنعانيون منذ القدم، فمرت عليها عصور وهي صامدة ثابتة متشبثة بفلسطينيتها عبرت عنه الصورة الشهيرة للسيدة الفلسطينية التي تحتضن شجرة الزيتون لحمايتها من إجرام المستوطنين، فكانت أشبه بأم تحضن طفلها لحمايته من غيلان متوحشة تحدثت عنها الأساطير.
ولذلك يدرك العدو الصهيوني أن بقاء الزيتون في الأرض الفلسطينية يعني بقاء الفلسطيني في أرضه، تلك الحقيقة التي صاغتها كلمات شيخ الأقصى رائد صلاح حينما عبر عن الوجدان الفلسطيني بعبارة "إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون" هذه الحقيقة الراسخة دفعت العدو الصهيوني ليمارس إجرامه بحق الزيتون الفلسطيني حرقاً وتجريفاً ومصادرة، وفي المقابل يقاوم الفلسطيني بغرس الزيتون والعناية به والحفاظ عليه.
موسم الزيتون ليس موسم قطاف ثمرة تباع وتعصر لتحقق عائداً يدر دخلاً على زراعه، وإنما هو موسم وطني يرسم لوحة أصالة وعراقة وبركة وتعبر عن حب الأرض والتشبت بها.
لم أعرف شعبا على وجه الأرض يحب الزيتون وزيت الزيتون كالشعب الفلسطيني، فتجده يغرسها حتى في أضيق الأماكن إذا لم يكن لديه أرض يزرعها، فترى غراس الزيتون في أفنية المنازل وأمام أبواب الدور العتيقة ومحاور الطرقات وحدائق المؤسسات العامة.
لقد سعدت كثيراً قبل عامين تقريباً حينما أهداني جاري الطيب الحاج أبو إبراهيم قنينة زيت صغيرة عصرها من بضع زيتونات غرسها حول بيته المجاور لبيتي لتشكل سوراً ثانياً من أشجار الزيتون يجانب السور الحجري، وكثيراً ما أراه وهو يعتني بشجيراته تلك بكل وسائل العناية الممكنة من رش وتقليم وتشذيب وري، بل إنه يحضر أحياناً عاملاً ليساعده في العناية بها رغم أنها بضع شجيرات فقط، ربما لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، ولكنه العشق الفلسطيني للزيتون الذي يعير عنه الحاج أبو إبراهيم بطريقته.
ولذلك ليس غريباً أن تكون مساحة الأرض المغروسة بالزيتون في فلسطين حوالي 575107 دونمات تمثل ما نسبته 85% من نسبة أشجار وذلك حسب وكالة وفا للأنباء.
وسيظل زيت الزيتون يضيء مشكاة الوطن لتنير سماءنا وتبدد ظلام الاحتلال وستظل أشجار الزيتون في كل دروب فلسطين منارات للثوار والأبطال الذين تباركوا بزيتها وأقسموا على حماية إرث أجدادهم الذين رووا شجر الزيتون بعرقهم وحموه بدمائهم.
وستبقى كلمات محمود درويش في قصيدته شجرة الزيتون الثانية تحكي قصة صمود الزيتون في أرضنا:
شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك.
هي سيدة السفوح المحتشمة.
بظلها تغطي ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة.