ريان الذي غاب عن الحياة خوفًا، ريان ابن السنوات السبع، الذي اغتاله الخوف وتوقف قلبه، لملاحقته من جنود صهاينة وهو يخرج من باب مدرسته ليصل إلى باب بيته الذي اقتحمه جنود الاحتلال بوحشية وهمجية مثل عاداتهم، بساطير مهترئة وعقول ملطخة بالدماء، قتلت ريانًا، وهو يلهث ويركض خوفًا وهلعًا، وبحثًا عن مصدر أمان، يخبئ به وجهه البريء، جميل المحيا، ناصع البراءة والطفولة.
ريان كان عائدًا للتو من المدرسة، وكان جنود إسرائيليون يلاحقون أبناء المدرسة بذريعة رميهم للحجارة، وبالطبع بشهادات مزعومة، وبقوا يطاردونه ويلاحقونه، ليدخلوا منزله، ويطلبون من ذلك الأب البسيط المليء بالمشاعر الصادقة، أبناءه، لكن ريان سمع المشهد من بعيد وقرر الفرار من باب المنزل الخلفي بحثًا عن بقعة بعيدة عن وحشيتهم، وارتأوا أن يتابعوه ويلاحقوه وهو ابن الصف الثاني، ليشهدوا عليه العالم أنه ضارب حجارة وهو ليس كذلك، حسب حديث والده المكلوم غير المصدق.
يا إلهي!! كم تمتلكون من وحشية ولا إنسانية، يا إلهي!! كم هي أداة القتل بين أيديكم سلسة وبلا روح، يا إلهي كم أنتم أشقياء في الدنيا تلاحقون وتخافون ابن السنوات السبع، وكم ستكونون أشقياء في الآخرة وقد لُطخت أياديكم بقتل أبرياء، وكشفكم الدم الفلسطيني من أعمالكم.
كم نحن حزينون عليك يا ريان أنت فلسطين، كم نشهد أنك بطل من ورق طاهر، كم قتلتنا لأنك سيد الذعر والخوف من ملاحقتهم لك يا سيد الطفولة.
ريان الذي قُتل خوفًا، نعم تلك الكلمة التي لا نزال نقولها ونتحدث بتفاصيلها، عندما يداهمنا الخوف نحن الكبار، «متت من الخوف» لكنها حقيقة دفنت ريانًا تحت التراب الفلسطيني، حيث لم يحتمل قلبه الصغير، وقع خطوات هؤلاء القتله، وهم يطاردون قدميه الصغيرتين، وحقيبته المدرسية، وملامح عينيه التي تجاوزت حد التصديق وهو يهرب إلى اللامأوى واللاجدوى، هربًا من قتله، من مجرمين إلى المجهول، الذي لم يكن يدرك أنه الموت، وأنه لن يعود إلى حضن أمه، وبيته، حضر بيته ولم يعلم أنه لن يحتسي وجبة ساخنة كانت أمه تعدها له ولإخوانه، عندما يعودون، عادوا وريان لم يعد.
ريان «مات من الخوف» من كيان صهيوني، لا يملك سوى ملاحقة الصغار والأطفال، يعتقل بلا هوادة، ويدفن تفاصيل البطولة تحت التراب، وهو لا يعلم أنهم ينفضون التراب من أجسادهم ويلقنون العالم أجمل دروس بالبطولة التي تورث، ويتبادلها أجيال فلسطين، وكأنهم يدفنون شهيدًا ويولد باللحظة ذاتها أطفال الحياة وأبطال جدد.
إنه ريان يا سادتي، إنه ريان يا كرام، الذي مات خوفًا، وإنه دَين في أعناقنا جميعًا، ولأمه المفجوعة وأبيه الذي فقد القدرة على الكلام والشرح، كل العزاء، وكل تفاصيل الحب والتعاطف، لأن الكلام يغيب في حضرة هذا المشهد المهيب وجماهير بلدته وأصدقاؤه يودعونه في ذهول، وخوف وحزن، فصاحب الابتسامة الدافئة والوجه الملائكي ريان غاب، ولن يعود إلى صفه، ولن يحمل حقيبته المدرسية بعد الآن، ولن يجوب الشوارع وصولًا إلى سكنه، وإغلاقات ودوريات تعيق الوصول وتعيق التنفس أيضًا.
"رياننا" إلى جنات الخلد يا سيد الأطفال، ريان الذي يحمل اسمه معنى «مرتوي بعد عطش الذي شرب حتى ارتوى الأخضر الناعم من أغصان الشجر» نعم لقد روت طفولتك أرض فلسطين، وملأت ابتسامتك وجه الأرض، وباب الريان في جنات الخلد سيفتح عندما تمر منه يا طفل فلسطين وسيزول عنك الخوف والذعر.
ريان هو الحكاية، ريان واحد من الأطفال الـ85 الذين ارتقوا عام 2022 على أرض فلسطين جلهم في غزة، ريان شاهد العصر على وحشية صهاينة لم يرحموا أرضًا ولا حجرًا ولا طفلًا ولا كتابًا.
ريان سيكتب اسمه في تاريخ الرعب الاسرائيلي من طفل السنوات السبع، وهو مطارد من جنديين إسرائيليين، وسيكتب التاريخ أن ريان «مات ذعرًا وخوفًا وتوقف قلبه» وسيدون التاريخ، حكايات فلسطين التي لا تتوقف، وحكايات أبطالها الشهداء الذين يولدون من تحت التراب.
وسيكتب التاريخ أن حكايات فلسطين لها أصل وأنها تمتلك قصص حياة العالم أجمع، وستبقى يا ريان البطولة أصل الحكاية.