حصدت المقاومة في الضفة خلال الأعوام الأخيرة العديد من الإنجازات، منها ما يتعلق بإرباك الساحة الأمنية لدى الاحتلال، وما ترتب عليه من تغيير لقواعد الاشتباك وإحداث بيئة غير مستقرة تشكَّلت نتيجة فشل العدو الصهيوني في اجتثاث خلايا المقاومة في المحافظات الشمالية، إذ إن المعطيات الميدانية تشير إلى تأثير الفعل المقاوم على مؤسسة اتخاذ القرار الصهيوني، وهي أحد المؤشرات المهمة التي هيأت لمرحلة جديدة في الصراع مع الاحتلال، وبات من الصعب أن تتخذ حكومة "لابيد" إجراءات جديدة أو تتجه نحو خيارات أخرى لإنهاء الوضع القائم الذي ما زال يدفع نحو المزيد من التوتر.
من ناحية أخرى عزز الجيش وحداته العاملة بالضفة إلى ما يقرب من 23 كتيبة عسكرية تعمل منذ مطلع إبريل من العام الجاري وفق مسارات متعددة، وضمن خطة مركزة تهدف لوقف العمليات الفدائية ومحاصرة ردود فعل المقاومة في بعض المناطق التي يسهل على العدو إحكام السيطرة عليها كجنين ونابلس، وهي ترجيحات صهيونية ما زالت تراوح مكانها ولم تتعدَّ سوى كونها فرضيات أعدت لاتخاذ قرارات مستقبلية إن تغيرت العوامل والقوى الفاعلة على الأرض.
ميدانيًّا ما زالت الأحداث تشكل خطوة مهمة للمقاومة، إذ إن ارتكاب الاحتلال مجازر متتالية ضد المدنيين والمقاومين، يدفع نحو حشد الطاقات الشعبية للتصدي لجرائم الاحتلال، وتثوير جميع الساحات، ونبذ التنسيق الأمني، وتفعيل الحراك الجماهيري الذي يدعم خيار المقاومة الشعبية، وخيار استخدام السلاح لحماية الفلسطينيين في الوقت الذي تتعرض فيه معظم محافظات الضفة لعدوان صهيوني واسع، إذ إن الاحتلال بات يفضل تنفيذ عمليات خاطفة وسريعة لاستهداف المطاردين، ويعمل ضمن سياسات جز العشب، لكونها لا تدفع نحو الاشتباك المباشر بكل القواعد الشعبية والأطر التنظيمية، وهو ما ينادي له بعض قادة الاحتلال، باعتبار أن الأوضاع الأمنية تزداد تعقيدًا، وأن أداء السلطة آخذ في التراجع ولا سيما في ظل انخراط عدد من عناصر الأجهزة الأمنية للسلطة في ميدان المقاومة، وخلق حالة جديدة تشكّلت كرد فعل عملياتي له أبعاد إستراتيجية.
سياسيًّا، تعد الانتخابات الصهيونية نقطة تحول في كل الاتجاهات، إذ إن الفرضيات التي يمكن الانطلاق من خلالها تتمثل في احتمال أن تتخذ الحكومة الصهيونية قرارًا بتوسيع العمليات في عدد من المحافظات من منطلق محاولات رئيس الحكومة "يائير لابيد" على منافسه "نتنياهو" وهو المنافس الأبرز له في الانتخابات المقبلة مطلع نوفمبر من العام الجاري؛ في المقابل هناك بعض الأصوات في الأوساط الصهيونية تتهم "لابيد" بالفشل في عمليات كاسر الأمواج، وتنتقد الأداء السياسي والعسكري لحكومته، باعتبار أن ارتفاع مؤشر العمليات الفدائية ناجم عن فشل الجهد العسكري الصهيوني في الآونة الأخيرة.
كما ذكرت صحيفة هآرتس أن الجيش ما زال يبحث عن خيارات عودة الهدوء في الضفة وفرض معادلات أمنية جديدة تهدف لتحييد المقاومين بالحد الأدنى من الوصول إلى أهدافهم على غرار ما يتم ترويجه عبر وسائل إعلام صهيونية.
من هذا المنطلق ووفقًا للمعطيات السابقة يمكن أن يتجه سلوك جيش الاحتلال لأحد السيناريوهات الآتية:
1. مواصلة العمليات العسكرية الصهيونية كما هو معمول به حاليًّا، مع النظر بعين الاعتبار أن يضمن هذا الخيار عدم التدافع الشعبي نحو انتفاضة ثالثة في الضفة.
2. توسيع العمليات بشكل غير مسبوق، وإعادة اجتياح كامل لبعض المحافظات الشمالية وفصلها عن المحافظات الأخرى، علمًا أن هذا السيناريو بحاجة لمغامرة صهيونية سيكون له تداعيات خطيرة على كل المستويات.
لذا يمكن ترجيح السيناريو الأول، باعتباره جزءًا من عمليات كاسر الأمواج التي لم يعلن الاحتلال انتهاءها حتى اللحظة، إذ إن الاعتقاد السائد من وراء هذا الخيار هو ضعف الردود الشعبية على اعتداءات الجيش المتكررة، وهو ما يسعى له الاحتلال لضمان الهدوء والاستقرار في ظل ارتكابه المجازر بحق المواطنين.